حامد عبد الحسين حميدي

ما بين اختلاف الفترات الزمنية ، نجدُ أن للمثقف حضورًا - مكانيًا و زمانيًا - مكثفًا يغذي الحياة الأدبية بإبداعاته و نتاجاته الثقافية، فأدواته الفنية ، وعدّته الأدبية ، ما هي إلا وسائل تعينه على تثبيت الدعائم والأسس الصحيحة ، في ترسيخ التطورات الفكرية لدى البشر ، صناعة لا تقدر بثمن ، صناعة دالة على المدلول ، الشمولية تعطيها أجندة تموينية تضفي عليها نكهة وطابعاً متميزاً ، ولا عجب في ذلك ، لكن العجب يكمن أن هذه الدالة محاصرة في مكانية ضيقة ، تعاني من تحجيمها واستيلاء السلبي على بنيتها التحتية ، وتهميش الدلالة الفكرية ذات الأفق الرحب ، مما يجعل :- إنّ هنالك أزمة حقيقية وراء مثل هذه الأمور ،أزمة الثقة أولاً ، وأزمة الأنا ثانياً ، وأزمة الحجب الثقافي ثالثاً ، أزمات وضعت الإبداعات في خانة العتمة والظلامية ، مما جعل مهرب الثقافة إلى التصريح علناً ، أمراً لا بدّ منه .. حفاظاً على ذلك المخزون الفكري من أن يسرق ، وان يوأد، فلا ضيرَ أن يحاولَ المثقف أن يبحث عن حلول  داخلية في الوقت ذاته ، تعطيه شرعية الكتابة ، بلا رقابة المنع ،لذا نجده يحوّل كتاباته إلى ورش عمل  وإبداعاتٍ غير مصطنعةٍ بل العفوية ، هي الطابع الذي غلب عليها ، ومهما حاولنا أن نضع أمام القارئ / المدرك ، ونسرد له الحلول التي تخامر مخيلة المثقف ، كمخارج آنيةٍ مما وقع عليه ، نصطدم بمعوقات التطبيق المثقلة بأطنانٍ من الحمولاتِ ، التي لا تنهض بما أراده الطرف الإيجابي، حتى وان كانت تلك الحلول سهلة التطبيق ، فما يحتاجه المثقف على صعيد الساحة الأدبية من المتغيرات ، والرسائل الخطابية ، ذات المرسلات المباشرة ، طلباً في الحلول الممكن تفعيلها وصولاً لتحليل الاستقراء الثقافي المعاصر في العراق . 

- إذاً، ما الضيرُ في توسيع رقعة الثقافة المعاصرة، وإبعادها عن إشكاليات العصر ؟ إن المعاناة الحقيقية لم تشمل الأدباء فقط ، بل اتساع رقعة الثقافة تعطينا شمولية في فسح وزجّ طاقات أخرى تمتلك مقومات عالية الجوّدة ، تنضوي في مسمّى( الثقافة) ، أظهرت أمامنا، رقعة صغيرة / الطرف السلبي، التي تحاول دمج عناصر مشوّهة في بودقة الأدبية المعاصرة ،و التي تشكل معاكسات ونقاط الضدّ :- الإقصاء/ التهميش / إبعاد الضوء عن نقط الإبداع ، وتوجيهها إلى أماكن خاصّة ،إذاً / التوسّع في المنظور الدلاليّ ،كان بمثابة النهوض والوقوف على نقاط الضعف وتحديد مواطن الخلاف ، والتعريف بها سلفاً ، مسافات كانت مثقلة  على التغيير الملموس الذي نسعى إليه ، إننا نقف على مسافة محسوبة بإيضاحات نقاشيّة ، نشعر بها ، فتعطي قراءاتٍ دلاليةً ذات أبعادٍ متكاملةٍ ، ثقافة ناطقة لا صمت فيها ، ثقافة تدوّي بإرهاصات البدائل ، التي إن لم تجد حلاً كانت هي الحلّ ، ثقافة تتحوّل إلى قوّة إقصاء( ردّة فعل طبيعية ) ضد ثقافة الإقصاء/ والتهميش التي دُسّت – خطأً- في جيوب مشروعية الخطاب الأدبي الجادّ، والميل إلى استخدام ثقافة الاستنساخ طباعياً ، حلاً لإشكاليات النشر ، وفرض هيمنة الإبداعية، ثقافة تمتلك مشروعية استقطاب ( أدب الشباب )الذي مرّ بعصر متخمٌ بالعتمة والألوان الداكنة ، نبحث عن ثقافةِ بناءٍ مركزية يكون فيها الأديب المبدع / الأداة الضاغطة ، محورية إلغاء نقاط التفتيش والمراقبة الكلامية المغروزة بيننا جدلاً، وإشاعة مفهوم الثقافة المقروءة والمسموعة والمرئية ، وتنشيط مفاصل الوعي الناطق بجدوى التغيير ،والدعوة إلى تكثيف ثقافة الروابط الأدبية ، لأشغال الحيّز المكاني في المجتمع العراقي ، وتفعيل الدور الملقى على عاتقها كونها جهة  تحظى بالدور الثقافي في النشر الذاتي ، وعقد الندوات والحوارات الأدبية ، وفتح قنوات اتصالية بينها وبين الروابط الأخر ، وان اختلفت - مكاناً وزماناً - شريطة أن تكون الروابط تتمتع باستقلالية تامة ، كي يتجه عملها الأدبي على وفق مساراتٍ مدروسةٍ ولقاءاتٍ ميدانيةٍ تحتضن الثقافة ، كونها حاضنة للإبداع ، واضعة أمام القارئ/ المتلقي أدباً خصباً ، يختلف عما نقرأه ، ونسمعه ، ونراه ، فيه ما نحتاجه من تحديث  ومعاصرة  ، مستمدة  سواءً من تراثنا الموروث أم من إبداعات جديدة ،أدباً فيه خطابات مفتوحة ، وقراءات حداثوية تحاكي نصوص الإبداع العالمي ، لان النقطة الجوهرية أنه :- يجب أن نحول الأدوات التي بين أيدينا إلى مرسلات، تستمد حيوية الخطاب من الثقافة العالمية - قالباً ومضموناً - وإلا فقدنا مشروعية ما نروم الوصول إليه  من المتعة الأدبية ، وصبغة الثقافة المعاصرة ، ورخصة الولوج في طرائق الفنّ الأدبي الإبداعي ، المؤلف مفردة وتركيباً .