الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تقف روسيا على أبواب مرحلة معقدة تكمن في طياتها ملامح أزمة ، على خلفية قرارات اقتصادية لا تحظى بتأييد شعبي، وتقول عنها السلطات الروسية إنها "قرارات مؤلمة ربما لكنها ضرورية للنمو الاقتصادي ".

وكشفت نتائج استطلاع للرأي عن تزايد المزاجية الاحتجاجية بين المواطنين الروس، لا سيما ضد مشروع قانون رفع سن التقاعد، في الوقت الذي تستعد فيه السوق إلى ارتفاع محتمل على أسعار سلع استراتيجية مثل الخبز والبنزين، بعد أن تبنت الحكومة قرار زيادة ضريبة القيمة المضافة، ورفع ضريبة الوقود اعتبارًا من مطلع العام القادم.

و كشف استطلاع جديد للرأي بشأن سعي الحكومة لتبني مشروع قانون إصلاحات في النظام التقاعدي تشمل رفع سن التقاعد حتى 65 عامًا للرجال و63 عامًا للنساء ، أجرته مؤسسة "ليفادا سنتر" خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس / آب الماضي، استعداد 53 في المائة من المواطنين الروس المشاركة في احتجاجات ضد مشروع قانون إصلاحات النظام التقاعدي.

وتشير تلك النتيجة إلى تصاعد المزاجية الاحتجاجية بشكل ملموس خلال شهر، إذ سبق وأن أجرت المؤسسة استطلاعًا للرأي بشأن القضية ذاتها نهاية شهر يوليو / تموز الماضي، أكد فيه 37 في المائة من المواطنين الروس استعدادهم للمشاركة في احتجاجات ضد مشروع القانون المذكور.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجه كلمة  إلى المواطنين في 29 أغسطس / آب ، دافع فيها عن رفع سن التقاعد ، وسعيًا لحشد تأييد أوسع له ، أعلن بوتين عن تعديلات على النسخة الأولية لنص مشروع القانون بهذا الصدد ،  إلا أن تلك التعديلات "التلطيفية" لم تأت بالنتائج المرجوة كما يبدو، إذ نظمت أحزاب سياسية معارضة احتجاجات في عدد من المدن الروسية، بما في ذلك احتجاجات نظمها الحزب الشيوعي الروسي يوم 2 سبتمبر / أيلول في وسط موسكو وشارك فيها نحو 6 إلى 9 آلاف مواطن، عبروا عن رفضهم رفع سن التقاعد ، وينتظر أن تشهد المدن الروسية احتجاجات أخرى للسبب ذاته يوم 9 سبتمبر / أيلول، بدعوة من المعارض الروسي اليكسي نافالني.

و لم تقتصر معارضة الرأي العام للإصلاحات الحكومية المقترحة على النظام التقاعدي على إبداء المواطنين استعدادهم المشاركة في الاحتجاجات، بل وأكد غالبيتهم كذلك الاستعداد إلى التعبير عن هذا الموقف في "استفتاء عام" إن جرى تنظيمه ، وقال 77 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي إنهم سيصوتون لصالح الحفاظ على النظام التقاعدي الحالي كما هو، وعدم رفع سن التقاعد ، بينما أكد 10 في المائة فقط أنهم سيصوتون في الاستفتاء ، إن جرى تنظيمه ، لصالح التعديلات ورفع سن التقاعد وفق ما تقترح الحكومة.

يذكر أن أكثر من 40 "مجموعة مبادرة" ممثلة لأكثر من حزب وتجمع سياسي، تقدمت بطلبات من اللجنة المركزية للانتخابات بتنظيم استفتاء عام، يتم على أساسه حسم الجدل بشأن سن التقاعد والتعديلات المقترحة في هذا المجال ، وقالت اللجنة إنها تنظر حاليًا بتلك الطلبات من دون أن تستبعد إمكانية إقرار الاستفتاء ، وهذه هي المرة الأولى التي يصل فيها الجدل بين الكرملين والقوى السياسية المعارضة إلى هذا المستوى بسبب مشروع قانون تقترحه السلطات.

 ويرى مراقبون أن نقل القضية إلى الاستفتاء العام، ستشكل أول مواجهة مباشرة يخوضها الكرملين مباشرة مع الناخبين، على خلفية سياساته الاقتصادية ، و يذكر أن الحكومة الروسية أعلنت في منتصف يونيو / حزيران الماضي عن حزمة إصلاحات اقتصادية، شملت خطة لرفع سن التقاعد وأخرى لزيادة ضريبة القيمة المضافة، وقالت حينها إن تلك القرارات "اضطرارية" ضمن الوضع الراهن، وتأمل من خلالها معالجة مشكلة نقص الأيدي العاملة الناجمة عن الأزمة الديموغرافية، وكذلك توفير دخل للميزانية ، لتمويل الأنفاق على الخطة الاقتصادية التي أعلن عنها الرئيس بوتين للسنوات القادمة ، وبينما لم يحسم بعد مصير مشروع قانون "رفع سن التقاعد"، فقد تمكنت الحكومة من تمرير قانون زيادة ضريبة القيمة المضافة من 18 حتى 20 في المائة ، عبر البرلمان الروسي، حيث الأغلبية المطلقة بيد حزب السلطة أي حزب "روسيا الموحدة" ، ومع أن العمل بموجب القانون الجديد سيبدأ اعتبارًا من مطلع العام القادم، إلا أن نتائجه بدأت تظهر منذ الوقت الحالي.

وقالت صحيفة "إزفستيا" في تقرير أمس الإثنين إن المشاركين في سوق الحبوب الروسية يحذرون من ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 10 في المائة اعتبارًا من الشهر القادم، بما في ذلك بسبب قرار زيادة ضريبة القيمة المضافة حتى 20 في المائة ، و وفق مؤسسة "اتحاد المواد الغذائية" فإن أسعار الحبوب بدأت ترتفع في السوق المحلية بسبب هبوط الروبل الروسي.

 و كشفت وزارة الزراعة أن سعر الخبز حتى نهاية العام الجاري ومطلع العام القادم مرتبط بأسعار المواد الأولية وأدوات الإنتاج وفق تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط ، ويرى الكسندر كوبروت، نائب رئيس اتحاد منتجي الحبوب الروس، أن زيادة ضريبة القيمة المضافة، والتي ستنعكس على أسعار الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء وغيره ، وعلى سعر الوقود ستؤثر على سعر الخبز ، وارتفع سعر القمح في السوق المحلية خلال شهر أغسطس / آب الجاري من 10 روبلات لكل كيلوغرام قمح من الصنف الأول مطلع الشهر، حتى 12 روبلًا لكل كيلوغرام  وفق أسعار نهاية الشهر.

 ويتوقع خبراء أن ترتفع الأسعار حتى 18 روبل لكل كيلوغرام في سبتمبر / أيلول ، علمًا بأن السعر لم يتجاوز في أغسطس / آب العام الماضي 9 روبلات لكل كيلوغرام.

و حذرت الهيئة الفيدرالية الروسية لمواجهة الاحتكار من أن أسعار الوقود قد ترتفع مطلع العام القادم، مع دخول قانون زيادة ضريبة القيمة المضافة حيز التنفيذ ، وزاد من تلك المخاوف تراجع الحكومة الروسية أخيرًا عن قرارين اتخذتهما نهاية مايو / أيار الماضي، بشأن تأجيل رفع ضريبة المشتقات النفطية بقدر 700 روبل لكل طن، بالتزامن مع قرار ثان أعلنت فيه حينها تخفيض ضريبة البنزين بقدر 3000 روبل، والديزل 2000 روبل لكل طن ، مما يعني أن الضريبة سترتفع مطلع العام القادم بقدر 3700 روبل لكل طن من البنزين، و2700 روبل لكل طن من وقود الديزل ، وعلى الرغم من تأكيد الجهات الرسمية توفر أدوات لكبح ارتفاع الأسعار في السوق، يحذر مراقبون من أن تغييرًا بهذا الحجم لا بد أن ينعكس بصورة واضحة على أسعار الوقود للمستهلكين .