الليدي آن بلنت حفيدة الشاعر الإنجليزي اللورد بايرون

انطلقت الليدي آن بلنت، حفيدة الشاعر الإنجليزي اللورد بايرون، في رحلة طويلة في مجاهل الصحراء، على ظهور الخيول والجمال، انطلاقًا من دمشق وصولًا إلى حائل في نجد، مرورًا بحوران واللجاة والحماد ووادي السرحان والجوف وصحراء النفوذ، صحراء امرئ القيس وجميل بثينة.. وحكايات شهرزاد.

كانت آن بلنت (1837- 1917) برفقة زوجها ويلفريد بلنت وبعض المرافقين من البدو، وهي تسجّل يومياتها، بكل ما فيها من دهشة تمحو التعب، وجرأة تبدّد الخوف، وكانت ترسم مشاهد حية من مسار رحلتها، بخطوط بارعة، حيث اتقنت الرسم على يد الفنان والناقد الإنكليزي الشهير جون راسكين، إلى جانب دراستها للموسيقى وخبرتها في أنواع الخيول العربية، خاصة، ومعرفتها الواسعة بالجيولوجيا والآثار، وهي كما قال عنها زوجها ويلفريد: لها ذاك النوع من الجمال الذي يميز الطيور.

اقرا ايضا

"لؤلؤة أفريقيا" وجهة سياحية تنعم بحياة برية وفيرة

 

ولا تغيب اللمسة الشعرية في أسلوب آن بلنت، وهي تكتب بتفصيل دقيق عن الناس الذين تلتقي أو تمر بهم، وعن المناظر الطبيعية التي تمر بها، بما فيها من ناس ونباتات وحيوانات ورمال متغيرة وأطلال قديمة أو آبار شحيحة أو جافة، وهي تقتبس في افتتاحية كل فصل من كتابها أقوالًا مأثورة من جدها اللورد بايرون وشيكسبير وغيرهما، بما يتناسب مع موضوعات كل فصل في كتابها “رحلة إلى نجد” - دار المدى.

بينما كتب زوجها ويلفريد بلنت وصفًا شاملًا لهذه الرحلة بعنوان: “زيارة إلى جبل شمّر”، نشره في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية في لندن عام 1880، وكان ويلفريد شاعرًا ودبلوماسيًا بريطانيًا، عمل في بغداد ودمشق والقاهرة، وارتبط بعلاقات صداقة مع شخصيات عربية بارزة، مثل أحمد عرابي ومحمد عبده، ونشر كتابًا هامًا بعنوان “التاريخ السري لاحتلال الإنكليز لمصر”.

في عام 1877 وصل الزوجان بلنت إلى حلب قادمين من ميناء الاسكندرون، وأقاما شهرًا في حلب، انطلقا بعدها في رحلة إلى وادي الفرات، من الرقة إلى دير الزور، متجولين بين البدو، ثم انطلقا إلى بغداد، ومن هناك إلى بادية الجزيرة السورية، ثم إلى تدمر، وكان دليل هذه الرحلة الطويلة هو محمد بن عبد الله العروق، من تدمر، وهو الذي سيكون دليل الرحلة التالية، وأثمرت رحلة آن بلنت إلى حوض الفرات وبادية الجزيرة كتابًا مهمًا في أدب الرحلات هو “عشائر بدو الفرات” الذي صدر في نيويورك عام 1879.

قبل مغادرة دمشق إلى نجد التقت آن بلنت وزوجها بالليدي جين دغبي وزوجها الشيخ مجول المصرب، كما التقت بالأمير عبد القادر الجزائري الذي كان منفيًا في دمشق، وعقدت لقاءات مع شخصيات متعددة، لتجمع ما هو ممكن من المعلومات المفيدة حول طريق رحلتها الطويلة إلى نجد.

في نهاية عام 1878 بدأت الرحلة الثانية من دمشق في اتجاه حائل، واستمرت ثلاثة أشهر، تعرضت القافلة الصغيرة خلالها لأخطار الغزو والعطش والجوع والإرهاق والمفاجآت المزعجة، أو السارة أحيانًا:

“في الساعة الثالثة اجتزنا سلسلة أخرى، وأطللنا منها فجأة على مشهد وادي السرحان الهائل، وهو مثار للكثير من تكهناتنا وتخميناتنا، والحق أنه لا يبدو كواد عادي، وإنما كقاع بحر سالف قديم، كانت هناك بقعة سوداء صغيرة على حافة سبخة أو بحيرة ملحية، هي الآن جافة، في أسفل تل أسود مرتفع، وما هذه البقعة سوى واحة كاف، وهي قرية متناهية في الصغر، تضم ستة عشر بيتًا وروضة نخيل”.

وفي محطات الاستراحة التي مرّت بها القافلة كانت آن بلنت تلتقي بالنساء البدويات وتحاورهن في شؤون مختلفة من حياتهن، وتكشف عن همومهن وأحلامهن ومعاناتهن مع الرجال، كما كانت آن بلنت تتأمل الخيول العربية، وتجمع المعلومات الدقيقة عن أنسابها ومزاياها، وأساليب تربيتها وتأصيلها.

وهي في كل لقاءاتها ومشاهداتها حريصة على كتابة يومياتها في المكان نفسه، حتى لا تفوتها التفاصيل والملاحظات الدقيقة التي تضفي على النص حيوية خاصة: “إن أول ما لفت انتباهي في صحراء النفوذ هو لونها، فهي ليست بيضاء كالكثبان الرملية التي مررنا بها البارحة، ولا هي صفراء كما هي الحال في أجزاء من الصحراء المصرية، لكن لونها زاهٍ يكاد يكون قرمزيًا في الصباح عندما يرطبها الندى”.

وتحرص الليدي آن على ممارسة التقاليد البدوية وتعلم اللهجات ومتابعة أنساب العشائر، وعلاقاتها مع العشائر الأخرى، والتواريخ والأحداث الهامة التي أدت إلى انزياحها أو سيطرتها، والتقاط الحكايات النادرة التي ارتبطت بتلك الأحداث أو شخصياتها.

وكان مرافقوها يحاولون اصطياد الطيور والغزلان والأرانب في مسار الرحلة، وحينما اصطادوا ضبعًا كانت آن تشاركهم في أكل الشواء من لحم ذلك الضبع، كما اشتركت معهم في أكل الجراد: “أصبح الجراد جزءًا من غذائنا اليومي، وهو حقًا ممتاز للحمية، وبعد أن جربنا عدة طرق لطبخه وجدنا أفضلها السلق، حيث تنزع الأرجل الطويلة وتحمل الجرادة من جناحيها، وتغمس بالملح ثم تؤكل، إن طعم هذه الحشرة يشبه الخضار أكثر من السمك أو اللحم”.

في عام 1881 انتقل الزوجان بلنت إلى مصر، واشتريا مزرعة الشيخ عبيد، جمعا فيها عددًا كبيرًا من الخيول العربية، إضافة إلى المزرعة الأخرى التي يمتلكانها في بريطانيا، وبعد انفصال الزوجين في عام 1906، سافر ويلفريد إلى بريطانيا، وبقيت آن في مصر حتى وفاتها عام 1917، وظل كتابها “رحلة إلى نجد” وثيقة حية عن الحياة البدوية قبل قرن وربع.

أضاف المترجم أحمد ايبش إلى الكتاب مقدمة شاملة عن هذه الرحلة وظروفها، وزود الكتاب بصور عن رسوم آن بلنت وغيرها، وأضاف عدة ملاحق عن نسب بعض القبائل ذات الصلة وخريطة لمسار الرحلة من دمشق إلى حائل ثم بغداد، وتحقيقًا حول تاريخ آل العروق في تدمر، كما أضاف بعض الهوامش الضرورية إلى النص الأصلي، الذي حذف منه وقائع رحلة الزوجين بلنت إلى إيران.

قد يهمك ايضا

أفضل الرحلات السياحية في إسبانيا انطلاقًا من مدريد

جزيرة كريت اليونانية تنقسم إلى 4 مناطق رئيسية تُقدِّم تجارب سياحية فريدة