لندن - سليم كرم تراجعت شركة "سنتريكا" البريطانية للطاقة عن خططها إقامة مفاعلات نووية جديدة في بريطانيا، وذلك لأسباب تتعلق بارتفاع في التكاليف، وتأخير في أعمال التشييد، وتأتي هذه الخطوة بمثابة ضربة لتطلعات الحكومة البريطانية الرامية إلى بناء مجموعة من المفاعلات النووية الجديدة، التي وصفت بأنها الأكثر طموحًا في أوروبا، كما تأتي هذه الخطوة في اليوم نفسه الذي انتقد فيه أعضاء البرلمان البريطاني بشدة إدارة النفايات النووية في شيفيلد، وقيام مجلس مقاطعة كومبريا خلال الأسبوع الماضي برفض مقترحات بإنشاء موقع عميق لدفن دائم للنفايات.
وسوف تخسر شركة "سنتريكا" نسبتها البالغة 20 في المائة في بناء المفاعلات النووية الأربعة، التي يقوم على تنفيذها شركة الكهرباء الفرنسية، المعروفة اختصارًا باسم "إي دي إف"، في سومرست وسوفولك، أي ما يعادل 200 مليون جنيه إسترليني.
وتقوم شركة "إي دي إف" بإجراء مفاوضات مع مؤسسة "تشاينا غاندونغ" للطافة النووية التي تملكها الصين، كي تحل محل شركة "سنتريكا".
يذكر أن خروج شركة "سنتريكا" من المشروع يعنى أن المشروع لن يشارك فيه أي شركة بريطانية كبرى، إلا أن "سنتريكا" سوف تحتفظ بنسبة 20 في المائة من رأسمالها في محطات الطاقة النووية الثماني الأخرى في بريطانيا.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "سنتريكا" سام ليدلو إنه يؤمن بقيمة الدور الذي يلعبه توليد الطاقة النووية في مجموعة مصادر الطاقة المتوازنة في بريطانيا، إلا أن التكلفة المتوقعة في مشروع الطاقة النووية الجديدة قد تزايدت، كما أن الجدول الزمني قد امتد لسنوات أخرى.
وألقى باللائمة في ذلك على الوحدات الضخمة (1.6GW) المخصصة لمقاطعة هنكلي بوينت في سومرست التي زادت من تكلفة المشروع بصورة مفرطة، فضلاً عن التعديلات في التصميمات التي باتت أمرًا ضروريًا، في ضوء ما حدث في كارثة فوكوشيما، الأمر الذي يزيد من فترة الإنجاز.
وكانت الشركة الفرنسية قد تعهدت باتخاذ قرار بشأن مفاعلات هينكلي مع نهاية العام 2012، إلا أنها فشلت في اتخاذ ذلك القرار، وهي تقوم حاليًا بالتفاوض مع الحكومة البريطانية بشأن السعر الذي يمكن ضمانه مقابل الحصول على الطاقة الكهربية من المفاعل.
وتقول الشركة الفرنسية إنها تتفهم أن مستوى الاستثمار في المفاعلات النووية الجديدة لم يلبِّ تطلعات وتوقعات المساهمين في شركة "سنتريكا"، إلا أنها أكدت على أن الدافع لإنجاز مشروع هينكلي بوينت لا يزال قويًا.
ويقول المسؤول التنفيذي في الشركة الفرنسة فنسنت دو ريفاز إن شركته تتفاوض مع الحكومة البريطانية للاتفاق بشأن سعر للكهرباء في هينكلي، يكون عادلاً ومتوازنًا مع المستهلك البريطاني والمستثمرين، وأن هذا الاتفاق سيكون بمثابة العامل الرئيسي في جذب المستثمرين، كما أنه سوف يضمن لبريطانيا طاقة خالية من الكربون، والتي تحتاجها في المستقبل.
يأتي خروج "سنتريكا" في أعقاب خروج اثنين من كبار شركات الطاقة العاملة في بريطانيا، حيث خرجت إي أون آند روي من مشروعها هوريزون المشترك العام 2012، وكذلك "إس إس إي" العام 2011.
ونفى متحدث باسم وزارة الطاقة، وتغيير المناخ البريطانية أن يكون انسحاب "سنتريكا" له تأثير سيئ على الحكومة البريطانية وإنما يعكس الأولويات الاستثمارية للشركة، ولا علاقة له بسياسات الحكومة البريطانية.
وقال أيضًا "إن قيام هيتاشي بشراء مفاعل هوريزون للطاقة النووية يقدم الدليل على أن السوق النووية في بريطانية تتمتع بالجاذبية، وأكد على عزم الحكومة على جعل بريطانيا محطة استثمارية رائدة في العالم في مجال الطاقة النووية الجديدة.
ويقول دوغ بار من جماعة الخضر إن انسحاب "سنتريكا" تسبب في اضطرابات ضخمة لسياسات الطاقة في بريطانيا، وإن تركيز الحكومة على الطاقة النووية الجديدة قد أضاع على بريطانيا سنوات للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة الخضراء، الأمر الذي يحتم اللجوء إلى الخطة (ب)، من أجل خلق نظام طاقة آمن ونظيف، ولا يعتمد على تقديرات زائفة عن تكلفة بناء مفاعلات الطاقة النووية. وقال أيضًا "إنه كلما جرت الحكومة وراء الحلم النووي، خسرت بريطانيا المزايا الاقتصادية، وفرص العمل الحيوية التي كانت ستتيحها الطاقة الخضراء".
ويقول ليدلو "إن سنتريكا سوف تقوم الآن بالاستثمار في إنتاج الغاز في بريطانيا والنروج وأميركا الشمالية، والدخول في مشاريع للطاقة المتجددة، مثل مشروع طاقة الريح الضخمة في سوفولك، والمعروف باسم ريس بانك".
ويدافع ليدلو عن انسحاب الشركة في وقت ترتفع فيه تكلفة استهلاك الطاقة قائلاً: إن شركته استثمرت 11 مليار جنيه في بريطانيا على مدى السنوات الخمس الماضية، وهي استثمارات عادت بأرباح على المساهمين بلغت مليار جنيه.
يُذكر أن الحكومة البريطانية تعتبر هذه المفاعلات النووية الجديدة أمرًا مهمًا وحيويًا لتحل محل المفاعلات البريطانية الحالية، التي أصبحت متهالكة ومتقادمة، ومحطاتها التي تعمل بالفحم.