الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي

الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي

الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي

 العراق اليوم -

الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي

بقلم - القاضي علي كمال

إن من أهم الأمور التي يسعى إليها الإنسان في حياته أن يبيت آمنا في مسكنه، معافى في جسده وعقله، فإن حصل له ذلك فكأنما ملك الدنيا، فالأمن الشخصي والمعافاة في الجسد والنوم والاستقرار في الدار آمنًا، وما يتمتع به الإنسان من حياة خاصة، تعد كلها قوام الحرية الفردية التي تعد أساس كل الحريات التي يتمتع بها الإنسان، والتي صارت تشغل مكانًا مهمًا في الفكر القانوني في مختلف النظم السياسية ذات المذاهب والفلسفات المتباينة، ولأن الحرية الفردية أساس كل الحريات فإن أهميتها تبدو عظيمة، وبقدر تمتع الفرد بها يكون تفجير طاقاته وطموحاته في سبيل عمارة الأرض التي نعيش عليها. والحرية من زاوية الإنسان إنما هي تحقيق لذاته من خلال ما يحققه من نشاط تلقائي ذاتي يتطور حتى يكتسي بطابع إنساني يضفي على الحرية الفردية قيمة جديرة بالاحترام والتقدير، ويجعلها بعيدة عن التهجم واللوم، خاصة وأن النشاط الذاتي التلقائي للفرد يسعى إلى هدف اجتماعي يقتضي تصورًا معينًا للصالح المشترك بين الأفراد في المجتمع، بما ينطوي عليه من العدالة والسكينة والتقدم.

والعدالة تتحقق إذا كان الفعل الفردي عادلاً غير مخل بقواعد السلوك، التي يسعى كل فرد عاقل إلى اتباعها متفقًا مع صالح المجموع. والسكينة أساسها اعتراف متبادل بوجود الآخرين في نطاق المجتمع، مهما تعددت وتنوعت الروابط بين الأفراد، وما يجب تعيينه من حدود لكل فرد بما له وما عليه. والتقدم قيمة اجتماعية تسير بالمجتمع إلى الإمام نحو حضارة إنسانية متقدمة، تسعى سعيًا حثيثًا إلى السيطرة على القوى الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالإنسان، وتذليل الصعوبات المادية والتي تقف في وجه ذلك التقدم نحو حياة تكون دائمًا أفضل، فإذا كانت تلك صورة الحرية المشرقة فإنها ليست كذلك دائمًا، لأن سنة الحياة أن يعيش المجتمع في حركة دائمة وآنية ومتصلة لا تفتر، وهو في حركته يتطلع إلى مستوى أفضل ونظام أكمل، وفي سعيه إلى غاياته وأهدافه يصطدم بحرية الأفراد التي قد تحد من سيره وتثقل من خطاه، لذلك كان الفرد محور التنظيم القانوني ومن هنا شغل موضوع الحريات المتعلقة بالأفراد مكانًا مهمًا في الفكر القانوني لدى مختلف النظم السياسية ذات المذاهب والفلسفات المختلفة.

وفي العالم الغربي، كان ثمرة الكفاح الطويل الذي قامت به الشعوب والثورات التي أشعلتها ضد الحكام المستبدين أن تقررت الحريات الفردية، حيث انتزع الأفراد حريّتهم وأكدوا حقهم في حياة آمنة متحررة من الخوف والاستبداد والطغيان، وكان من نتيجة ذلك أن عمدت الشعوب والحكومات إلى تضمين هذه الحريات في دساتيرها، كفالة لها وضمانًا لممارستها. ثم ظهر في النطاق الدولي الاهتمام بالحريات وحقوق الإنسان، فنتج عن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تبعه من اتفاقيات دولية وإقليمية، وقبل هذا وذاك كانت الشريعة الإسلامية قد تضمنت ذخيرة كبرى من مبادئ الحريات وحقوق الأفراد، قبل أن تظهر هذه الفلسفات بقرون عدة. ويكتسب موضوع الحماية الجنائية للحريات الفردية أهميته الخاصة لاتصاله بأهم شيء في حياة الناس، حيث يمس حريتهم الفردية بما فيها من حقوق لصيقة بشخص الإنسان لا تنفك عنه، فحريته في أمنه الشخصي وحريته في التنقل وحريته في مسكنه وحرمة هذا المسكن وحقه في سلامته البدنية والذهنية وحرمة حياته الخاصة، كلها حقوق لصيقة بالإنسان لا يجوز التعرض لها بأي شكل من الأشكال، وهذا لا يعني أن للأفراد حريات تفوق ما للمجتمع وأعلى منها، وإنما يعني أن للقرد حريته الفردية في حدود الشرع والقانون، لأن تشابك العلاقات بين الأفراد في حياتهم مجتمعين تجعل الفرد ملتزمًا بتنظيم حياته وحريته مع حرية وحركات الآخرين، فيترك الفرد في نطاق معين لشأنه يمارس حريته وفق رغبته، إلا أنه ملزم بالمشاركة في الحياة العامة وهذا أمر شائك يثير مشاكل كثيرة، أهمها ما تثيره الحماية الجنائية وهي تضع مداها ونطاقها وقدرتها على تمكين الأفراد من التمتع بحرياتهم الفردية، بدون تعرض الآخرين لهم.

فالسلطة إذ تضع الحماية لممارسة الأفراد لحرياتهم، فتمنع الآخرين من الاعتداء عليهم وتفرض العقوبة على هذا الاعتداء، فأنها من جانب آخر تضع أكثر القيود مساسًا بالحريات الفردية بما تتخذه السلطة من إجراءات جنائية، وبما يمارسه ممثلو السلطة من تطبيق للقانون فيتعرضون بذلك لحريات الأفراد، وهنا تثور المشكلة وهي مدى تحقق الحماية الجنائية لحريات الأفراد إزاء تعرض السلطة لهم، ممثلة في أفرادها، وإيجاد التوازن بين حق الدولة في ممارسة وظائفها وحماية المجتمع وتحقيق الحماية للحريات الفردية، وهي بصدد ممارسة وظائفها. وإذا كانت الحرية الفردية هي محل الحماية الجنائية، فإن الغاية التي يتوخّاها هذا المقال هي معرفة مدى الحماية التي يوفرّها القانون الجنائي للحريات الفردية عند تعرّض السلطة لها ممثلة في أفرادها.

iraqtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي



GMT 06:57 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس النواب وتحد مقبل

GMT 05:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أزمة اليمن التعيس!

GMT 06:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

شرم.. الشباب يتكلم والعالم يستمع

GMT 08:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

التبليغ القضائي ودوره في حسم الدعوى المدنية

GMT 23:20 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ليسوا إلا خونة يدعون الشرف.

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 17:53 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

بيومى فؤاد مخرج إعلانات فى فيلم "رغدة متوحشة"

GMT 08:50 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

حالة الطقس المتوقعة في المملكة السعودية الأربعاء

GMT 07:21 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة ترتدي الحجاب لمدة أسبوع لتكشف عن عنصرية البريطانيين

GMT 00:47 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عبد الله السعيد يؤكد أن جميع اللاعبين سواسية في "الأهلي"

GMT 01:13 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

الراقصة سما المصري تتعرى لتكشف عن "تاتو" جديد

GMT 01:11 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

عائشة بن أحمد تستعدّ لتقديم عمل درامي تونسي ضخم قريبًا

GMT 22:34 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

إليكِ أشهر وجهات السفر العالمية للاستمتاع بـ"ركوب الخيل"

GMT 23:06 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

كشجرة تستدل بالضوء لعادل سعد يوسف في سلسلة الإبداع العربي

GMT 19:47 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

الأحذية الرياضية تسيطر علي صيحات الموضة في 2019

GMT 18:34 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

طرح "قصة حب" في دور العرض السينمائية 14 شُباط المُقبل

GMT 06:05 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

"أقراط الشفاه" أحدث صيحة في عالم الإكسسوار في 2019

GMT 14:49 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

كاديلاك XT4 رائعة وليست نسخة مُصغّرة مِن إسكاليد

GMT 05:41 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خطوات مهمة يجب عليكِ اتباعها في تنظيف الزجاج والمرايا

GMT 22:58 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

مايا رعيدي تفوز بلقب ملكة جمال لبنان لعام ٢٠١٨
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq