بَّا الصغير

"بَّا الصغير"

"بَّا الصغير"

 العراق اليوم -

بَّا الصغير

بقلم: يونس الخراشي

على حين غرة أخرج لنا با الصغير، رحمه الله، وهو زوج خالتي، كرة قديمة جدًا من "بيت الخزين". جاء يحملها مثل صغير ولد لتوه. بحنو. وعيناه الجميلتان وسط حاجبين كثيفين أبيضين، ترنوان إليها بحب لا يوصف. وقال لنا:"إنها لكم.،ولكن لن تحصلوا عليها حتى تعرفوا قصتها".

توزعتنا نار شوقين حينها؛ شوق إلى الكرة، التي أردناها لنلعب بها حين نذهب إلى بادية "تيط مليل" (السبيت –ضاحية الدار البيضاء)، وشوق أحر إلى القصة. ثم رحنا نستمع إليك، وهو المبدع في حكيه، بصوته المبحوح الرائع، والأعين على الكرة بين أصابع يده اليسرى، بينما اليمنى تحكم إغلاق "بيت الخزين" العجيب.

وقال لنا "هذه الكرة لم تكن كرة في واقع الأمر". لم نقل كلمة حتى وإن لم نفهم جيدًا. وتركناه يكمل، فقال "كانت عبارة عن ذريعة لفريق الاتحاد البيضاوي. الطاس. الفريق العريق الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في الحي المحمدي، والمغرب كله. استعملت لكي يجتمع حولها رجال أحبوا بلدهم، ولم يرضوا لها ذل الاستعمار".

لم نفهم إلا القليل. وما كان علينا سوى أن نصبر. وأنَّى لصبرنا أن يفوق صبر رجل قاوم الاستعمار، ثم قاوم كي يوفر لقمة عيش حلال لأهله وعائلته، وقاوم أمواج شواطئ عين السبع بصنارته، وقاوم المرض أيضًا

 قال لنا "إنها كرة قديمة جدًا. مصنوعة من الجلد. تشهد على تاريخ لا يوصف. كنا نستعملها في مرات كي نمرر مسدسًا أو اثنين. ولا يهمنا أن نخسر مباراة، بقدر ما يهمنا ألا نخسر رجلًا، فنضعف أمام المستعمر".

بعد سنوات من ذلك، وكنا حصلنا على الكرة العجيبة، المصنوعة من الجلد، ومن عرق الرجال، وصمودهم، فهمت ما معنى "الطاس"، أو الاتحاد البيضاوي، وعرفت كم بذل رجل عظيم اسمه العربي الزاولي، بقي ذكره خالدًا في الحي المحمدي، وبخاصة في "تيران الحفرة"، بكل الحقائق التي جرت في الواقع، وتلك الأساطير التي تعلق عادة في الحكي، ثم تصير مع مرور الأيام وكأنها هي أيضًا وقائع، يحلو تذكرها.

اليوم، وبينما كان مفترضا أن يصنع تمثالًا للراحل العربي الزاولي، ويصبح اسم "الطاس" ضمن الأسماء الكبيرة لفرق الكرة في الدار البيضاء، نجد عائلة الراحل العربي، مهددة بالطرد من مسكنها. وللأسف، نسمع من زوجة الراحل، التي تبقى لها من تقاعد الزوج 500 درهم راتبه، أنه لم يترك شيئًا، لأنه أعطى كل ما يملك، قيد حياته، لفريقه، كي يستمر من بعده. ونسمع من أحد أبنائه بأنه أصر على ألا يغادر "الطاس"، بما أنه كان يحمل رسالة؛ وأي رسالة هي تلك التي تجعل رجلاً كهذا يضحي بكل شيء، كي يبقى للوطن كل شيء.

رحم الله "بَّا الصغير"، الرجل العظيم، ورحم الله العربي الزاولي، الرجل الكبير، ورحم الله سميرة الزاولي، المناضلة التي نسيت أن تعيش الحياة، وأعطت، كأبيها، كل شيء للكرة النسوية، دون أن تعطيها الكرة أي مقابل، ورحم الله كل الذين ناضلوا كي يصنعوا لنا وطنًا، فإذا بمن أمسكوا بزمام القيادة، بالصدفة، أو بالمكر، يطمسون ذكراهم، كي لا تعرف الأجيال حقائق الماضي، ومن ضحى، ومن أكل الثمار.

iraqtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بَّا الصغير بَّا الصغير



GMT 10:34 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

صور روسيا 2018

GMT 13:23 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

"السيما والكياص"

GMT 14:39 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

يوميات روسيا 23

GMT 15:13 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

يوميات روسيا..22

GMT 11:01 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

يوميات روسيا..20

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 05:21 2024 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

فيلم " بنات ألفة " للنجمة هند صبري يقترب من الأوسكار

GMT 18:26 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

اليابان تعلن إنتاج موز لا يحتاج إلى تقشير

GMT 08:15 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التوقعات الفلكية لكانون الثاني عام 2018

GMT 00:36 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

داليا مصطفى تؤكّد أنّ شخصية جيرمين في "الكبريت الأحمر" مركبة

GMT 00:31 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

شينولا تقدّم أفضل سماعات للرأس بتصميمات مثيرة

GMT 21:11 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

عريس جديد للفنانة ياسمين صبري بعد طلاقها بساعات

GMT 07:59 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ابتكارات عصرية في مجموعة "ألكسندر ماكوين"2018

GMT 00:44 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف كيف هيمنت الإمبراطورية الرومانية على مصر

GMT 00:58 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف البريطاني يسلط الضوء على الأديان في مصر القديمة

GMT 08:21 2016 الجمعة ,30 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه في البنك الأهلي المصري

GMT 05:40 2016 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الكويتي حبيب الدويلة ينتهي من الأغنية الوطنية "فأل خير"

GMT 11:30 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

القماش المخملي بطل الديكور والأثاث هذا الشتاء

GMT 03:44 2016 الأحد ,30 تشرين الأول / أكتوبر

تقييد طفل "إنسان الغاب" بالسلاسل في أحد الجدران

GMT 03:46 2014 الإثنين ,10 آذار/ مارس

"ليكويد غولد إيفوريا" عطر شرقيّ من الأخشاب
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq