من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير

 العراق اليوم -

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير

بقلم : عمرو الشوبكي

حين وقّع الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 اتُّهم بالخيانة من قِبَل كثير من العرب وبعض المصريين، لأنه تخلى عن القضية الفلسطينية وطبّع العلاقات مع إسرائيل قبل استعادة القدس وقيام الدولة الفلسطينية، ولم يشفع له أنه أعاد سيناء إلى حضن مصر، حتى لو اعتبرها البعض ناقصة السيادة منزوعة السلاح.

اتهام الرئيس السادات بالخيانة أمر تكرر فى تاريخنا العربى مع كثير من الزعماء والسياسيين بالحق والباطل، لكن كثيرين أعادوا الاعتبار له، كما تراجع كثير من معارضيه عن تخوينه حين اكتشفوا أن الرجل أعاد الأرض ولم يفرط فيها، حتى لو ترك القضية الفلسطينية لأهلها ولمَن قالوا إنهم حاملو لوائها، مستغلا أزمات وخلافات العالم العربى وتجاربه الفاشلة.

لقد اكتشف الجميع أن العرب الذين حاربوا السادات وخوّنوه لم يحاربوا إسرائيل ولم يحرروا القدس، إنما حاربوا بعضهم البعض، وشكّل بعضهم تحالفات نضالية «حنجورية» مثل جبهة الصمود والتصدى، التى لم تواجه إسرائيل بطلقة شاردة، إنما واجهت بعضها البعض بمؤامرات لا حصر لها (معارك حزبى البعث الحاكمين فى سوريا والعراق وغيرها).

وطنية السادات لم تعد محل شك من جانب غالبية معارضيه، أما أنصاره فقد تمسكوا بلقب «بطل الحرب والسلام»، حتى لو كان الرجل قد ارتكب أخطاء كبيرة فى إدارته السياسية فى الداخل وفى فردية كثير من قراراته فى الخارج، ورغبته الجامحة فى الظهور على ساحة الصحافة العالمية، خاصة الأمريكية، ومع ذلك ظل رئيسا مصريا وطنيا أخطأ وأصاب تبعا للتقدير السياسى لكل شخص.

والحقيقة أن خطاب التخوين عاد مرة أخرى فى مصر بعد عقود ثلاثة من الغياب (اتهم خصوم مبارك نظامه بالفساد وليس الخيانة)، وأطَلَّ برأسه مرة أخرى عقب اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ما جعل المقارنة بين مسار كامب ديفيد و«خطافية» تيران وصنافير واردة فيما يتعلق بالأداء المصرى، وغير واردة فيما يتعلق بالبلدين اللذين وقّعنا معهما الاتفاقيتين، أى بين دولة عدوة وأخرى شقيقة.

لقد خوّن بعض المصريين النظام السياسى الحالى، واعتبروه فرّط فى الأرض وتنازل عن جزء من تراب الوطن، صحيح أن هناك تيارا آخر اعتبر أن مصر ردت الأمانة لأصحابها وأن الجزيرتين سعوديتان، إلا أن العودة للتخوين تكررت بعد أن تصورنا أن تلك الصفحة قد طُويت للأبد.

أما حين نقارن بين تحرك الرئيس السادات وتحرك الرئيس السيسى فنجد أنهما تشابها فى بعض الأمور واختلفا فى البعض الآخر، فنقطة التشابه هى عدم قبول الرأى المعارض مطلقا، فالرئيس السادات حل البرلمان عقب معارضة 15 نائبا لاتفاقية كامب ديفيد، التى لم يُعرض نصها عليهم، تماما مثلما حدث مع البرلمان الحالى، الذى لم يشاهد أعضاؤه نص اتفاقية ترسيم الحدود، فى حين تمسك النظام الحالى ببرلمانه، ولم يفكر فى حله لوجود 124 نائبا عارضوا الاتفاقية.

أما نقطة الخلاف فهى فى المجمل تتعلق بالفارق الكبير بين أداء النظامين، فقد أسست خطوة الرئيس السادات بزيارة القدس، ثم توقيع اتفاقية السلام، الأساس الفكرى والسياسى لمدرسة اليمين العربى، التى تبنت التسوية السلمية مع إسرائيل وبناء نظام رأسمالى فى الداخل فى مواجهة نظام عبدالناصر الاشتراكى، وأيضا إقامة تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، فى حين أن اتفاقية ترسيم الحدود الأخيرة لم تعتبر أن هناك من الأصل رأيا عاما يجب إقناعه بالخطوة، أو أن هناك رسالة قانونية وسياسية يجب أن تُقال للمؤيدين، وكأن المطلوب أن يظلوا دائما من الممسوحة عقولهم.

صحيح أن توقيع اتفاقية سلام مع دولة عدوة يختلف تماما عن اتفاقية ترسيم حدود مع دولة شقيقة، إلا أن تجاهل النظام السياسى الحالى لوقع هذه الاتفاقية على قطاع واسع من المصريين- والاتهامات التى كالها البعض لكل أركان النظام، حتى وصلت للتخوين- كانت تتطلب إدارة مختلفة جذريا عما تم، فالتخوين الذى جرى فى مواجهة الرئيس السادات قابله الرجل بإنجاز عملى على الأرض ومبررات قوية قدمها لأنصاره، استطاعوا من خلالها أن يدافعوا عن خطوته وعن أخطائه أيضا، مستثمرين فشل الآخرين، فى حين أن تجربة تيران وصنافير صنعت فى كل خطوة أزمة، بدءا من عرض الاتفاقية على القضاء، ثم تجاهل أحكامه وعرضها على البرلمان، رغم الحكم القضائى، كما غاب أى كلام جاد أو رسالة سياسية تعتبر الناس رقما فى أى معادلة إلا بعض التصريحات المقتضبة لرئيس الجمهورية بعدم الحديث فى الموضوع.

ولعل المفارقة هنا أن الرئيس السادات الذى أعاد الأرض اتهمه البعض بالخيانة تماما مثلما فعل تيار آخر مع النظام الحالى، صحيح أنه مع الوقت أُعيد الاعتبار لوطنية الرئيس السادات، فهل سيُعاد الاعتبار أيضا للرئيس السيسى فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود ويثبت مع الوقت أن الجزيرتين كانتا سعوديتين، وأن الرجل لم يفرط أو يتنازل؟

لو حدث ذلك فستبقى المشكلة فى غياب أى رواية قانونية أو رسالة سياسية بالاتفاقية فى الوقت الحالى، على عكس الرئيس السادات، الذى قدم رواية سياسية متكاملة سوّقت لما هو أصعب، أى السلام مع عدو، وليس الاتفاق مع شقيق.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير



GMT 09:29 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

حول التطبيع 2

GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 05:53 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تخريب نجمة جينيفر لوبيز الموجودة في هوليوود

GMT 13:14 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

عرض الأزياء الذكورية الجريئة خلال أسبوع الموضة في لندن

GMT 10:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

بورش 959 الأسطورية تبهر الحضور في معرض "غلف كونكورس"

GMT 06:12 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبيجيل أهيرن تتجه إلى استخدام أسلوب "الجانب المظلم"

GMT 06:17 2014 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

سحلية تهاجم رضيعة ذات الـ8 أشهر في ماليزيا

GMT 11:20 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

صفاء سلطان تُذبح و"الانستغرام" يحذف الفيديو

GMT 09:52 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جاغوار تطلق السيارة الأسرع في تاريخها Jaguar F-type

GMT 04:41 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

عبير الأنصاري تؤكد أن صبا مبارك الأفضل

GMT 12:13 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

هكذا تختار البدلة الرسمية على طريقة عمرو يوسف

GMT 10:29 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض محرز يتجاهل المنافسة مع محمد صلاح

GMT 21:38 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يُهدي كأس السوبر للرئيس السيسي

GMT 10:09 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

أعراض احذر تجاهلها تدل على انسداد شرايين القلب

GMT 16:46 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

إعلامية تُزوّج عروسين مدنيًا على شاطئ مدينة صور
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
Pearl Bldg.4th floor
4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh
Beirut- Lebanon
iraq, iraq, iraq