الدور الناقص أوروبا ومصر

الدور الناقص: أوروبا ومصر

الدور الناقص: أوروبا ومصر

 العراق اليوم -

الدور الناقص أوروبا ومصر

عمرو الشوبكي
بقلم - عمرو الشوبكي

أوروبا هى الشريك الاقتصادى الأكبر لمصر، وهى الجار الذى يفصلنا عنه بحر تقطعه سفن المسافرين ومراكب المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، وهى القارة العجوز التى ارتبطنا معها بتاريخ طويل كانت الحروب الاستعمارية أحد أوجهه التى جعلت هناك تعقيدات كثيرة تحكم العلاقة بين كثير من البلاد العربية وأوروبا.

ولعل علاقة مصر بأوروبا ممتدة، فهى الحليف الاقتصادى الأول لفترة طويلة من الزمن، ولكنها الحليف السياسى والعسكرى الثانى، وربما الثالث، فقد ظلت الولايات المتحدة منذ اتفاقية السلام التى وقعها الرئيس الراحل أنور السادات هى الحليف السياسى والعسكرى والاستراتيجى الأول لمصر حتى الآن، رغم التقبل الدائم بدور أوروبى منزوعة منه السياسة فى كثير من الأحيان.

وقد مرت العلاقات بين مصر وأوروبا بتحولات كثيرة، أهمها تغير الخريطة السياسية نفسها فى أوروبا وصعود تيارات اليمين القومى المتشدد التى اتخذت موقفاً صارماً من قضايا الهجرة والمهاجرين، وتحدثت عن خطر الإسلام والمسلمين وأعطت أولوية قصوى للحرب على الإرهاب ووضعتها على سلم أولوياتها.

وأتت الأحداث المتعاقبة من فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى Brexit، لتعطى مزيداً من المؤشرات على أن هناك موجة عالمية لصعود اليمين القومى المتشدد، وتزامن مع ذلك وصول عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة للسلطة فى كثير من الدول الأوروبية مثل بولندا، والمجر، أو دخولها معترك الانتخابات وتحقيقها تقدما كبيرا كما فى هولندا، السويد، وفرنسا وألمانيا، ومشاركتها فى الحكم كما فى إيطاليا.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن هذه الأحزاب والتيارات ليست متطابقة بشكل كبير، إلا أنها تمتلك العديد من السمات المشتركة والتى تبدأ من تبنيها خطابا شعبويا يظهر فى شعاراتها، بداية من «النمسا أولاً»، و«فرنسا أولاً» هو الشعار الذى يرفعه حزب الحرية النمساوى، وصولاً لشعار ترامب «ستظل أمريكا هى الأولى فقط It›s going to be only America first».

أحد أهم الملامح أيضا التحول الذى جرى فى أوروبا، وهو فى تصاعد الخطاب الوطنى الإقصائى المتمثل فى فكرة «نحن» فى مواجهة «الآخر»، ويتجلى هذا فى المواقف العدائية تجاه اللاجئين والمهاجرين، والسعى للحد من الهجرة، تحت غطاء الدعاوى التى تفيد بأن المهاجرين يهددون القومية الأوروبية ويسيئون استغلال مزايا دولة الرفاهة (كبرامج الإعانة وغيرها)، أو أن المهاجرين هم السبب الرئيسى فى انتشار الجريمة وارتفاع معدلات البطالة وأيضا الإرهاب.

ورأينا مؤخرا كيف وضعت الحكومة الإيطالية قضية وقف تدفق المهاجرين من ليبيا عبر المتوسط وغيرها كأولوية قصوى فى برامجها وبرامج أحزاب اليمين المتشدد، باعتبارها وسيلة لحماية استقرار المجتمعات الأوروبية من الفوضى و«خطر اللاجئين» والإرهاب.

والحقيقة أن هذا الخطاب لاقى فى بعض جوانبه قبولاً من مصر، فهناك تيار سياسى وشعبى كبير يرى أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، وأن المهم هو الحفاظ على الدولة ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه، وبذلك لا يمكن حماية الحدود ومنع تدفق اللاجئين لأوروبا بدون دولة قوية ومستقرة، وليس مهمّاً أن تكون ديمقراطية.

يقيناً، لقد نجحت مصر فى أن تحدث اختراقات فى أوروبا، وقدمت نفسها باعتبارها حليفاً لقوى اليمين القومى الصاعد فى أوروبا، ونجحت أيضا فى أن تحاصر الدعاوى الأوروبية التقليدية فى ضرورة احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وتجعلها قضية منظمات حقوقية دولية وليست قضية حكومات.

وقد دعم من قوة الخطاب القومى المتشدد فى مصر وأوروبا وجود حالة حقيقية من القلق والخوف من تجارب انهيار الدولة الوطنية فى أكثر من بلد عربى (العراق وليبيا) أو عجزه عن القيام بواجبته (اليمن وسوريا) وانتشار الإرهاب والفوضى.. كل ذلك جعل الخطاب الوطنى المتشدد، الذى يقف ضد سقوط الدولة الوطنية ويعلن الحرب على الإرهاب، يأخذ الحيز الأكبر داخل مصر وكثير من البلاد الأوروبية.

وقد توافق خطاب اليمين الوطنى فى شمال وجنوب المتوسط فى إعطاء أولوية قصوى للحرب على الإرهاب، باعتبارها الخطر الأول الذى يهدد الجميع، وتراجعت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كأولوية فى علاقة مصر بأوروبا، على خلاف ما كان عليه الحال عقب إطلاق مسار برشلونة فى عام 1995.

وقد حافظت العلاقات الاقتصادية بين مصر وأوروبا على نموها ولم تتأثر كثيراً بأى انتقادات قامت بها منظمات دولية أو صحف أوروبية كبرى لأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، وبدت أوروبا تسير فى اتجاه عدم ربط أى شراكات اقتصادية وصفقات بيع  للسلاح بأى شروط سياسية، فى المقابل نجحت مصر ولو بشكل جزئى فى أن تخترق المعادلة السياسية الأوروبية، وأن تقترب من خطاب اليمين القومى المتشدد فى أوروبا، بحيث بدت كأنها «طبعته المصرية»، خاصة بعد أن نجح فى أن يفرض أجندة الحوار على الساحة الأوروبية، فحدد قضية الهجرة والمهاجرين والحرب على الإرهاب كأولوية للنقاش العام، وبات خطاب القوى الليبرالية واليسارية فى كثير من الأحيان مجرد رد فعل لما يقوله.

هذا الواقع السياسى عقّد من إمكانية بناء تجمع مصرى أو لوبى مصرى فى أوروبا، فقد نجحت مصر فى خلق قنوات تواصل جديدة مع قطاع من المصريين فى أوروبا، إلا أن صناعة لوبى قضية أكثر تعقيداً من ربط اقتصادى لمصريين فى أوروبا أو أوروبيين من أصل مصرى بوطنهم الأم مصر.

فاللوبى يحتاج رسالة سياسية وثقافية وليس فقط رسالة اقتصادية تشجعهم على الاستثمار فى مصر (أغلب المصريين فى أوروبا مهنيون)، وهو ما سيعنى ضرورة ربط المهتمين بالمشاركة السياسية بشبكات القوى السياسية فى أوروبا، وعليهم أن يكونوا إما جزءاً من شبكات اليمين القومى المتشدد الذى يرفض وجودهم أو ينظر لهم حتى لو حملوا جنسية أوروبية بريبة.. أو أن يحملوا قيم أو صوت مصر كدولة جنوب وعالم ثالث، بما يعنى اقترابه من الشبكات الليبرالية واليسارية التى تنتقد الأوضاع السياسية القائمة فى مصر.

ستبقى مسألة صناعة اللوبى المصرى فى أوروبا مؤجلة، لذا أعطت الدولة الأولوية للشراكة الاقتصادية والاستثمارية.. ويا حبذا لو استفادت من عقول مصرية لامعة موجودة فى أوروبا، ويمكنها أن تساعد البلد على التقدم والتنمية.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدور الناقص أوروبا ومصر الدور الناقص أوروبا ومصر



GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 12:41 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

نحن وفنزويلا

GMT 12:39 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

رحلة لمعرض الثقافة

GMT 12:37 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

ذكرى 25 يناير

GMT 12:35 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

فى الصراع الأمريكى - الإيرانى: حزب الله فى فنزويلا!

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 19:02 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

"Repossi" الجديد في دبي يلبّي طلبات كلّ إمرأة

GMT 20:39 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رواية "كل نفس" لنيكولاس سباركس تتصدر أعلى المبيعات

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

"كورشوفيل" أبرز منتج للتزلَج على مستوى العالم

GMT 06:50 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

مشكلات سياسية واقتصادية تواجه منتدى "دافوس"

GMT 17:34 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

مؤامرات ليبية يدعمها قادةٌ عرب لإحباط قمّة بيروت

GMT 22:06 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

الأهلي يوضح حقيقة الحصول على دعم في تمويل صفقة الشحات

GMT 01:32 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة كوكي تعرب عن سعادتها بشأن فيلم "ورد مسموم"

GMT 03:35 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أمينة خليل تنتظر عرض فيلمَي "122" و"الكنز 2" في دور العرض

GMT 23:20 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبارنا الحقيقي لـ الجوهرة Cullinan أفخم سيارة SUV في العالم

GMT 14:51 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

"ديكورات ورود" رائعة ومميزة لتزيين حوائط منزلك

GMT 16:04 2018 السبت ,05 أيار / مايو

الفحوص تؤكد تورط أسبل كيبروب بالمنشطات
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq