معذرة أيها الزعيم الخالد

معذرة أيها الزعيم الخالد

معذرة أيها الزعيم الخالد

 العراق اليوم -

معذرة أيها الزعيم الخالد

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

لا يحاسب أحد أحدا إذا ما كان قد كتب عن الشهيد ياسر عرفات، أو لم يكتب في ذكرى رحيله الرابعة عشرة، ولا يدخل ما تكتب في سيرتك الذاتية ككاتب. ولكن ثمة دافعية قوية للكتابة، لا من باب الحاجة لمقارنة قيادة بأخرى، ولا قائد لآخر، ولا حتى لمقارنة طرف لآخر وإنما هي دافعية شخصية ذات أبعاد عاطفية وسياسية ووطنية.

عرفات القائد والزعيم الشهيد لا يشبه أحداً، غير أبو عمار، فقائمة الشهداء الكبار طويلة، لكن أحداً منهم لا يشبه الآخر لا في طبيعة شخصيته، وأدائه، ولا في خصائصه الذاتية، لكن معظم هؤلاء يشتركون في مواصفة مهمة، وهي انتماؤهم الوطني العميق للشعب والقضية، واستعدادهم للتضحية من أجلها.
لا أدري بعد كل المحاولات التي استهدفت عرفات، منذ أن برز كزعيم وطني متفرد، كيف وصلوا إليه. في الحقيقة فإن ذلك لم يكن ليقع، مع الكبار أمثاله، إلاّ بقرارات كبيرة، وبدعم وموافقة من قوى كبيرة بالتأكيد هي أكبر من طاقة الاحتلال الإسرائيلي، الذي قام بعملية التنفيذ.

خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 1982، وجدت إسرائيل لنفسها المبرر لملاحقته واغتياله، فلقد خاضت حرباً طويلة ضروساً ضد منظمة التحرير الفلسطينية، حتى أنها احتلت بيروت في سابقة لاحتلال عاصمة عربية.

عرفات الذي كان يتواجد ويتجول في كل مكان، أفقد إسرائيل إمكانية استخدام الأفراد للوصول إليه، ولذلك، استخدمت الطائرات الحربية في قصف بناية الصنائع التي كان يفترض أن تكون المكان الذي تجتمع فيه، اللجنة المركزية لحركة فتح. هل هو القدر، أم انه الحذر غير العادي الذي ألهم عرفات ورفاقه، حتى لا يصلوا إلى مقر الاجتماع في الموعد المحدد ما أفشل المخطط الإسرائيلي، الذي أراد التخلص من كل قيادة الحركة؟
ربما كانت القيادات الإسرائيلية، الأكثر إدراكاً لمدى خطورة، الشهيد ياسر عرفات، ورفاقه الميامين، الذين لاحقتهم، في تونس، بعد أن لاحقت العديد من القيادات في عواصم أخرى. لم تفلح إسرائيل، بكل ما لديها من وسائل وإمكانيات، إلاّ حين حاصرته في المقاطعة خلال حملة السور الواقي العام 2002، حيث بدا حينها أن العرب الذين عقدوا قمتهم في بيروت، قد تجاهلوا حصاره، ونداءاته، وكأنهم ينتظرون موعداً محدداً للتخلص منه. ومع أن كل الشعب الفلسطيني، بكل فئاته السياسية والاجتماعية أشاروا علناً وكل الوقت، بأصابع الاتهام إلى المجرم الذي ارتكب الجريمة، وهو الاحتلال الإسرائيلي، إلاّ أن التحقيقات الوطنية والدولية، لم تصل إلى الدلائل الثبوتية المؤكدة، أو لنقل وهو الأصح، إنها خصوصاً الدولية، لم تكن ترغب في أن تصل إلى نتيجة في التحقيقات. تواطأ الجميع، من علموا ووافقوا مسبقاً على قرار التخلص من زعيم الشعب الفلسطيني، ومن فوجئ بالخبر، حتى لم يعد في هذا العالم الذي تسيّره الولايات المتحدة، مختبر أو مسؤول يجرؤ على المساعدة في التوصل إلى الحقيقة المعروفة.

لست أدري أي مقالة، أو لغة يمكن أن تحيط بهذا الزعيم التاريخي الكبير، الذي تجاوز حدود الوطنية والقومية إلى العالمية، فكان زعيماً تحررياً عالمياً، يدافع عن أعدل قضية على وجه الأرض.
لست قادراً على الإحاطة بكل مناقبه، خشية أن أتجاوز بعضها، لكنه هو، وهو الشاب الذي بالكاد أنهى دراسته في الهندسة، قد فجر ثورة عارمة، في ظل ظروف عربية ودولية غير مواتية.
كان بإمكان عرفات ورفاقه المؤسسين أن يعيشوا موظفين في دول الخليج، حياة أفضل كثيراً وأعلى مستوى معيشي مما كان عليه واقع حال ملايين الفلسطينيين، لكنها الوطنية العميقة التي قادت هؤلاء، إلى البدء بتشكيلات تنظيمية وخلايا صغيرة، ذات انتماء وطني فلسطيني خالص، تحولت بعد سنوات إلى طوفان من الفدائيين والأعضاء والمناصرين، من كل أنواع ومستويات الشعب الفلسطيني الأكاديمية، والعسكرية، والثقافية والإعلامية، حتى كان بإمكانها أن تدعي عن حق بأنها أي حركة فتح تمثل أكثر من 90% من الشعب.
"فتح" لها السبق في تحديد أسلوب الكفاح المسلح، وحرب التحرير الشعبية وكان لها السبق في تحديد العلاقة بين الوطني والقومي على قاعدة أن الشعب الفلسطيني ينبغي أن يكون في طليعة النضال العربي ضد الاحتلال، وبدون انتظار الوحدة العربية، أو حتى الجاهزية العربية لمواجهة الاحتلال ذلك أنها انطلقت قبل هزيمة حزيران العام 1967.

وحركة فتح هي التي صاغت الهوية الوطنية الفلسطينية، وجعلت من منظمة التحرير الفلسطينية، إطاراً ائتلافياً وحدوياً، ما أهّلها لأن تكون الممثل الشرعي والوحيد، الذي يفرض صفته على القمم العربية. ومن بعد ذلك حين فرضت وجودها وصفتها على الساحة الدولية بما في ذلك الحصول على مقعد في الأمم المتحدة.

قد لا ينسب هذا الفضل كله للشهيد الزعيم ياسر عرفات، فلقد كان له شركاء أساسيون في حركة فتح، وفي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية لكنه هو قائد تلك المسيرة، وبفضل حكمته وسعة صدره، وببصيرته الحادة، أمكن تحقيق ما هو أكثر مما مررنا عليه.

بعد رحيله تجرّأ البعض على قلب حقائق التاريخ والانقلاب عليه، حين اعتقدوا وروّجوا، أن النضال الوطني الفلسطيني، بدأ من حيث بدؤوا هم، رغم أنهم تأخروا كثيراً، لكن كل محاولات التزوير مهما كبرت، لا يمكن أن تنجح في طمس صفحات مشرقة، حتى لو أن من سطروها، أو أغلبيتهم، لم يعودوا موجودين بيننا اليوم.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معذرة أيها الزعيم الخالد معذرة أيها الزعيم الخالد



GMT 08:14 2019 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

لا بديل عن الحوار

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 17:53 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

بيومى فؤاد مخرج إعلانات فى فيلم "رغدة متوحشة"

GMT 08:50 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

حالة الطقس المتوقعة في المملكة السعودية الأربعاء

GMT 07:21 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة ترتدي الحجاب لمدة أسبوع لتكشف عن عنصرية البريطانيين

GMT 00:47 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عبد الله السعيد يؤكد أن جميع اللاعبين سواسية في "الأهلي"

GMT 01:13 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

الراقصة سما المصري تتعرى لتكشف عن "تاتو" جديد

GMT 01:11 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

عائشة بن أحمد تستعدّ لتقديم عمل درامي تونسي ضخم قريبًا

GMT 22:34 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

إليكِ أشهر وجهات السفر العالمية للاستمتاع بـ"ركوب الخيل"

GMT 23:06 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

كشجرة تستدل بالضوء لعادل سعد يوسف في سلسلة الإبداع العربي

GMT 19:47 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

الأحذية الرياضية تسيطر علي صيحات الموضة في 2019

GMT 18:34 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

طرح "قصة حب" في دور العرض السينمائية 14 شُباط المُقبل

GMT 06:05 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

"أقراط الشفاه" أحدث صيحة في عالم الإكسسوار في 2019

GMT 14:49 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

كاديلاك XT4 رائعة وليست نسخة مُصغّرة مِن إسكاليد

GMT 05:41 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خطوات مهمة يجب عليكِ اتباعها في تنظيف الزجاج والمرايا

GMT 22:58 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

مايا رعيدي تفوز بلقب ملكة جمال لبنان لعام ٢٠١٨
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq