خبّاز الرئيس

خبّاز الرئيس

خبّاز الرئيس

 العراق اليوم -

خبّاز الرئيس

بقلم : إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

قبل شهر لم يكن أحد من الفرنسيين قد سمع به. ثم فجأة انتشرت صوره في المجلات وتردد اسمه في نشرات الأخبار. صار حدثاً من أحداث البلد. وليس المقصود هنا وباء كورونا، بل الطيب سهل. شاب عربي مهاجر يعمل خبازاً في دكان للمعجنات في باريس. ماذا فعل الخباز ليشتهر؟
لو حاولنا تحديد صفة أساسية لدى الطيب سهل فهي أنه خجول. وهو ليس خجل التواضع أو التظاهر بالحياء، بل أن يضطرب في الكلام ويتلعثم ويغضّ البصر ويهرب من مواجهة الأسئلة. إنه لا يفهم لماذا يريدون أن يعرفوا رأيه فيما حدث له. ما هذه الميكرفونات التي تمتد بها أيدي مندوبات التلفزيون ومراسلي الصحف الأجنبية؟ ليتهم يشفقون عليه من الحرج ويتركونه لشأنه، ينزل إلى القبو ويحمل كيس الطحين ويهيئ العجين ويزج الصواني في الفرن. القبو والفرن والخميرة ورائحة الرغيف الساخن هي كل عالمه. هل هناك ما هو أطيب من رائحة الرغيف الساخن؟ كان مرتاحاً لدفء القبو، ولا يريد الخروج إلى النور والنسمات الباردة. ولعله ما زال يحتفظ، تحت طبقة جلده، بزوادة من شعاع جاء به من بلده الأفريقي المشمس الجميل.
ماذا حدث للطيب؟
قالوا له إنه فاز في المسابقة السنوية. وهو صاحب الحظ السعيد من بين أكثر من 200 خباز في باريس. لقد تنافسوا، شيباً وشباناً، لتقديم أفضل رغيف فرنسي «باغيت». والرغيف الأفضل هو ذاك المحمّص بدرجة معينة من الخارج، الطري بدرجة معينة من الداخل. الناضج دون أن يكون عجيناً. وهو يشبه العصا. ذاعت شهرته في العالم وأصبح من العلامات القومية لفرنسا. لكن أهم ما في المسابقة أن «الإليزيه» يشتري خبزه من الفائز طوال السنة. والفائز لعام 2020 هو الطيب سهل. عامل بسيط لم يسع إلى الفوز ولا يعرف خطوات التقدم للمنافسة. لقد رشّحه صاحب المخبز. وصاحب المخبز هو الرابح الكبير من الشهرة. سيأخذ شهادة جميلة تحمل ألوان العلم الفرنسي، يعلقها على واجهة محله ويتباهى بها. وسيأتي الزبائن من الأماكن البعيدة ليجربوا «رغيف الإليزيه». سيقدمونه لأطفالهم على موائدهم السعيدة. لا فرق بين ما يمضغه الرئيس وما يلوكه أي مواطن.
يسألون الطيب سهل عن رأيه باللقب فيرتبك ويشيح بوجهه عن الكاميرا. يمسح بصدريته كفيه البيضاوين من نخالة الطحين. يتمتم: «لا أدري. لا أعرف ما المطلوب أن أقول. أنا خباز وكفى». هو خباز وكفى. يعجن الدقيق بالماء ويقولب الأرغفة ويزجها في الفرن ويراقب نضجها ويمد الملقط الخشبي الطويل لينتشلها من النار. بعد ذلك يأتي أهل الحي لكي يأخذ كل منهم خبزه كفاف يومه. لا يعرف الطيب أن أهل هذه البلاد يرددون في صلواتهم الصباحية دعاء: «اعطنا خبزنا كفاف يومنا». وهم بدورهم ما كانوا يعرفون أن أصابع عامل عربي قد عجنت خبزهم. ويقال إن «الكرواسون» الذي يفطر عليه الفرنسيون وصل إلى أوروبا عن طريق العثمانيين، لهذا فإنه يأخذ شكل الهلال. وهذا أيضاً له تقاليده ومواصفاته. لكن المهنة باتت مهددة بخطوط الإنتاج الواسع. تذهب إلى «السوبر ماركت» وتشتري رغيفاً خارجاً من المجمدة، فرّخته المكائن بالجملة كما يفرّخون الكتاكيت.
هل يمكن الحديث عن الرغيف من دون أن تستدعي الذاكرة خبز باب الآغا؟ يولد العراقيون وهم يسمعون آباءهم يضربون به المثل: حار ومقصّب ورخيص. صفات ثلاث هي عز الطلب. صارت علامة للجودة بالمفهوم الشعبي. وكان ذلك قبل إنشاء الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، في بلد ضاعت فيه كل المقاييس.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خبّاز الرئيس خبّاز الرئيس



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:01 2018 السبت ,18 آب / أغسطس

تعرف على موعد طرح Oppo F9 Pro

GMT 17:03 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

الحب أساس الاحتياجات الأسرية

GMT 03:46 2015 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

إيناس النجار تكشف عن تفاصيل أعمالها الفنية المقبلة

GMT 03:44 2016 الأحد ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة إيمي آدامز تتألق في فستان أسود طويل وأنيق

GMT 15:20 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

بَدء عروض مسرحية "زواج سعيد" في الأردن

GMT 02:35 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

فندق فرنسي يتيح قضاء ليلة تحت النجوم بدون خيمة

GMT 10:04 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فائدة جديدة لخلط حليب الثدي مع لعاب الرضيع

GMT 18:11 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عادل الأعصر يقترب من انتهاء تصوير فيلم "خلي بالك من اللي جاي"

GMT 15:32 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

5 خطوات للحصول على رموش جميلة وكثيفة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq