إمّا حزب «محترم» أو جيش وميليشيا

إمّا حزب «محترم» أو جيش وميليشيا

إمّا حزب «محترم» أو جيش وميليشيا

 العراق اليوم -

إمّا حزب «محترم» أو جيش وميليشيا

حازم صاغية
بفلم : حازم صاغية

قد يكون صحيحاً قول القائلين إنّ مهمّة إيمانويل ماكرون اللبنانيّة فشلت «حزب الله» وإيران، وربّما الولايات المتّحدة من الجهة المقابلة، لم يسمحوا لها بأن تُقلع. الرهان على مستقبل المهمّة غامض في أحسن أحواله ما دامت القوى التي أفشلته لا تزال قادرة على الإفشال.

مع هذا، زوّدنا الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي بعبارة تتعدّى ظرفها السياسي المحدّد، كما تتعدّى المكان الذي قيلت عنه، أي لبنان. قال ماكرون إنّ «حزب الله» لا يستطيع أن يكون، في وقت واحد، حزباً سياسياً محترماً في بلده وجيشاً في إسرائيل وميليشيا في لبنان.
العبارة، على بساطتها، بل بدهيّتها، تغطّي رقعة عريضة من التجربة السياسيّة العربيّة في العقود الأخيرة؛ اكتساب ظاهرة ما تعريفين متعارضين أو أكثر في الآن نفسه. لماذا هما متعارضان؟ لأنّ الجيش والميليشيا لا يستطيعان إلّا قضم الحياة السياسيّة، أو على الأقلّ لي عنقها، بهدف تكييفها مع ضروراتهما الحربيّة. في المقابل، فإنّ الحزب السياسي في بلد ما لا يتقيّد فقط بالعمليّة السياسيّة للبلد المذكور، وهي تعريفاً مضادّة للعنف. إنّه يتقيّد أيضاً بحدود البلد والتحرّك ضمن نطاقه السيادي والقانونيّ.
هذه المُسلّمة عرفتها بلدان عدّة انشقّت تكويناتها الآيديولوجيّة على قاعدة وطنيّة مع نشأة بلدانها وتبلور حياتها السياسيّة الوطنيّة. الاشتراكيّة الديمقراطيّة في أوروبا يصحّ فيها هذا المبدأ مثلما يصحّ في المسيحيّة الديمقراطيّة. الأحزاب الشيوعيّة، رغم علاقاتها الملتبسة بالاتّحاد السوفياتيّ، كانت، من حيث المبدأ، أحزاباً سياسيّة وطنيّة لا امتدادات لها في الخارج.
لقائل أن يقول إنّ التقدير أعلاه لا يصحّ في أحزاب قوميّة أو دينيّة عابرة للحدود، وفوق ذلك لا تعترف أساساً بالحدود. لكنّ هذا يتعارض مع فكرة الحزب السياسي أصلاً، والتي تنتمي إلى نفس الأفق التاريخي الذي تنتمي إليه الدولة الحديثة. أحزاب البعث «القوميّة» في سوريّا والعراق مثلاً لم تكن إلّا لفترات قليلة، وقبل وصولها إلى السلطة، أحزاباً «محترمة» في بلدانها. أبعد من ذلك، وعمليّاً؛ أين هو الحزب الذي شكّل ميليشيا أو جيشاً خارج بلده وبقي حزباً سياسياً «محترماً» داخل بلده؟

لكنْ في لبنان تحديداً، يكتسب هذا الكلام البدهي معنى مضاعفاً...
ذاك أنّه يستحيل النظر إلى الفساد، الذي يشكو منه معظم اللبنانيين، بمعزل عن هذا الالتباس الذي يمثّله «حزب الله». بطبيعة الحال لا يصحّ ربط كلّ فساد بالحزب؛ خصوصاً أنّ الزبونيّة السياسيّة سابقة عقوداً على نشأته. لكنّ ما يصحّ هو أنّ التعفين الذي تُلحقه الحالة الحربيّة ومتطلّباتها بالسياسة يمنح الفساد مزيداً من الفرص. يضاعف تلك الفرص رشوة المتواطئين مع السلاح عبر التواطؤ مع فسادهم.
إذاً، وضع البلد في حالة حرب دائمة، بل حربين دائمتين، لا يستقيم مع حياة سياسيّة «محترمة». حتّى البلدان العريقة في برلمانيّتها تنكمش حياتها السياسيّة وما تستدعيه من شفافيّة حالما تنخرط في حروب خارجيّة، وهذا مع العلم بأنّ قرار الحرب يكون قد صدر عن الدولة نفسها، على عكس الحال في لبنان.
لنأخذ مثلاً جريمة انفجار المرفأ، أو الانفجار في قرية عين قانا الجنوبيّة. الغموض وقلّة المعلومات لا يزالان سيّد الموقف وقد يبقيان طويلاً هكذا. التحقيق الجدّي لا يزال كلاماً بكلام، لأنّ كلّ مطالبة بتحقيق جدّي استفزاز لمقاومة «حزب الله» بقدر ما هو مقاومة لمنظومة الفساد. للتذكير؛ سبق أن وُضعت عراقيل لا حصر لها أمام قيام المحكمة الدوليّة للنظر بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. المطالبة بالمحكمة صُوّرت، في بيئة «حزب الله»، بالعمل الخياني المتآمر على المقاومة.
تزداد فداحة هذه الظاهرة حين نتكلّم عن بلد ضئيل الموارد، مساحته لا تتجاوز 10 آلاف كيلومتر مربّع إلّا قليلاً، وسكّانه أقلّ من 5 ملايين نسمة موزّعون على 18 طائفة تكاد لا تتّفق على شيء. هذه المعطيات وسواها لم تردع «حزب الله» عن تقديم نفسه طرفاً يحرّر فلسطين وسوريّا ويساهم في تحرير بلدان أخرى!
اقتران المأساة بالملهاة هنا لا يعفي من ملاحظة القدرة على تعطيل السياسة وإحباط المبادرات الدوليّة. فكيف متى أضفنا إلى هذا الالتباس كلّه دور إيران بوصفها الصانع الفعلي لقرار «حزب الله» الذي يُفترض أنّه لبناني لكنّه لا يخفي كونه جنديّاً في جيش الولي الفقيه؟
أغلب الظنّ أنّ تعبير «الذراع السياسية لـ(حزب الله)» بات يضحك ماكرون كثيراً بعد تجربته اللبنانيّة. إنّ الجمع بين الحزب المحترم والجيش والميليشيا مستحيل حقّاً!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إمّا حزب «محترم» أو جيش وميليشيا إمّا حزب «محترم» أو جيش وميليشيا



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 00:37 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

اللؤلؤ والماس يلتقيان في مجوهراتك لعام 2018

GMT 16:05 2018 الخميس ,10 أيار / مايو

إيقاف أردا توران 16 مباراة في الدورى التركي

GMT 04:33 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 12:42 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على صيحات مكياج العيون الدخاني لشتاء 2018

GMT 02:03 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

خبيرة التجميل سناء زيتو تُصمّم مكياج "الهالوين" بخطوط فنية

GMT 00:41 2013 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

بار ريفالي مثيرة ببيكيني ساخن في البحر

GMT 07:15 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "ايرباص" تختبر سيارتها الطائرة ذاتية القيادة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq