عن لبنان كمشكلة حدوديّة دائمة

عن لبنان كمشكلة حدوديّة دائمة!

عن لبنان كمشكلة حدوديّة دائمة!

 العراق اليوم -

عن لبنان كمشكلة حدوديّة دائمة

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

ليست الحدود في لبنان مسألة حدوديّة. إنّها تقع في صلب السياسات الداخليّة للبلد، ولكنْ أيضاً في صلب العواطف والمشاعر التي يكنّها سكّانه.

وضعٌ كهذا يصحّ عموماً في البلدان التي اجتمعت فيها صفات ثلاث: حداثة النشأة، وتنافر الجماعات الداخليّة، وقلق الجوار الخارجي وعدم استقراره. لبنان نموذجي في الجمع بين الصفات الثلاث هذه. لهذا صار الموقف الحدودي يُملي سياسات الداخل أكثر مما يشكّل الداخل مصدراً للموقف الحدوديّ.
تقليديّاً، عُرفت جماعات لبنانيّة بالخوف من كلّ ما يأتي من وراء الحدود، فربطت «بسالة الجيش» بالدفاع عنها. في المقابل، عُرفت جماعات أخرى بالاطمئنان إلى كلّ ما يفد من هناك حتّى غدا «هدم حدود سايكس بيكو» أحد معايير «البطولة» عندها. الجماعات الأولى خفق قلبها لمن كانوا بعيدين عن حدودها، يُستنجَد بهم إبّان الأزمات فيأتون عبر البحار والمحيطات لتقديم النجدة. الجماعات الثانية خافت من أولئك البعيدين الغرباء عن «منطقة» ينبغي ألا تقطّع الحدود أطرافها.
وبين الحدود بوصفها سوراً يحمي والحدود بوصفها عائقاً يمنع، تكثر التأويلات وتشتدّ الخلافات. بعض يقول إنّ الحدود وُجدت كي ترسم الاختلاف القائم بين الجماعات، وبعض آخر يرى أنّها هي ما أوجد الخلافات ووفّر لها أسبابها المغذّية. وأغلب الظنّ أنّ الحقيقة تقع في مكان ما بين هذه النظريّات التي زاد في تعارضها أنّ البعض يقرأها كنصوص بريئة في حين يقرأها بعض آخر تبعاً لنوايا تقيم تحت النصّ.
على أنّ الوجود الوطني للبنان ارتبط، على نحو وثيق، بالحدود. حصل هذا منذ البدايات الأولى، أي مع ضمّ «الأقضية الأربعة» (راشيّا وحاصبيّا وبعلبك والمعلّقة) إلى «لبنان الكبير» عام 1920 وما صاحبه من سجال وتوتّر. والحدوديّة هذه، وإن اختلفت الأسماء والعناوين، لا تزال تفسّر الكثير مما يجري اليوم بين لبنان وكلّ من سوريّا وإسرائيل، حيث تقول الآيديولوجيا المعلنة للأولى بـ«تحطيم الحدود» في حين تتمنّع الآيديولوجيا المعلنة للثانية عن تحديد الحدود. وهي تفسّر أيضاً وجود مشكلتين لبنانيّتين راهنتين ومتداخلتين تطالان البرّ والبحر معاً، هما ترسيم الحدود مع كلّ من الدولتين الصعبتين. وزير الخارجيّة السوري وليد المعلّم جدّد مؤخّراً إعلانه رفض هذا الترسيم «لأنّ لبنان ليس بلداً عدوّاً»، علماً بأنّه لا يقبل للبنانيين أن يرسّموا مع إسرائيل لأنّها بالضبط «بلد عدوّ»!
أبعد من هذا: ثمّة من اعتبر لبنان نفسَه حدوداً تفيض عن محدوديّة موقعه الجغرافيّ. فهو لطالما وُصف بأنّه حدود بين الشرق والغرب، تتّخذ شكل الجسر في أزمنة التفاهم، وشكل الزلزال في أزمنة الغضب. وهذه المعادلة أثمرت نجاحاً دام ما يقرب من عقدين ونصف نجاح دام سنوات قليلة. فمع إسرائيل، كانت هدنة 1949 في رودس المصحوبة بالمقاطعة الاقتصاديّة للدولة العبريّة. هكذا استقرّت الحدود الجنوبيّة وهدأت كما تجنّب ميناء بيروت المنافسة مع ميناء حيفا. إذن سلام واستقرار وبحبوحة لما يقرب من عقدين. مع سوريّا، وكانت جزءاً من «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة»، أمّن لقاء الخيمة الحدوديّة الشهير بين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب استقراراً داخليّاً، لكنّ كلفته لم تكن بسيطة: رهن السياسة الخارجيّة للقاهرة وإسقاط خصوم الناصريّة (ومنهم كميل شمعون وريمون إدّه) في الانتخابات النيابيّة. بعد 1967 حوّلت سوريّا نفسها مصدراً لمقاتلين قالوا إنّهم ينوون تحرير فلسطين من لبنان.
مذّاك، وقد قرّرت «الحضارات» ألا «تتلاقح» ولا «تتحاور»، لم يعد لبنان جسراً. بالتدريج، وبشيء من التقطّع، صار منطقة زلازل.
إنّه الحدود بين سوريّا وإسرائيل. وقد يكون مصدر الذكاء المنسوب إلى حافظ الأسد هو هذا بالضبط: أنّه أعاد اختراع لبنان على شكل حدود تمنع احتكاكه المباشر بـ«العدوّ الصهيونيّ»، وعاملَ تلك الحدود بـ«أخوّة» غيّرتْ تعريف معنى الأخوّة. ولبنان، كذلك، هو الحدود الإيرانيّة - الإسرائيليّة، وهي المهمّة التي تطوّع لها «حزب الله» منذ نشأته قبل نحو من أربعة عقود. ويُشكّ في أن تحملنا التطوّرات المخيفة الأخيرة، مع تفجير مفاعل نطنز الإيراني بعد انفجار مخزن الأسلحة في بارشين، على الانسحاب من هذا التطوّع الحدوديّ.
أهمّ مما عداه أنّنا بِتنا نعيش تحت وطأة بُعدين حدوديين ضاغطين. هناك أوّلاً مزارع شبعا الشهيرة، وهي للتذكير 40 كيلومتراً مربّعاً استُنبطت من ذاكرة ميّتة ردّاً على إعلان إيهود باراك، رئيس حكومة إسرائيل يومذاك، نيّته الانسحاب، من طرف واحد، من لبنان. تلك المزارع سبق أن احتلّتها إسرائيل، في 1967، من سوريّا لا من لبنان. واليوم بات لبنان مطالَباً بتحريرها من دون أن تقرّ سوريّا بلبنانيّتها! أمّا البُعد الحدودي الآخر فهو المعابر التي لا يراد إغلاقها، وقد أضيف إليها مؤخّراً معبر الزبداني من الجهة السورية، حيث يسيطر «حزب الله». النزف المالي الذي تتسبب فيه تلك المعابر يبقى تفصيلاً بالقياس إلى دورها المصيريّ. فنحن موعودون بالحرب من الشرق ومن الجنوب، ومن لا يحاربنا نستدعيه كي يفعل من أجل أن نحرّر حدوداً نستخدمها استخدام دكّان خاسر بكلّ المعاني، لكنّ إقفاله ممنوع.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن لبنان كمشكلة حدوديّة دائمة عن لبنان كمشكلة حدوديّة دائمة



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 19:02 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

"Repossi" الجديد في دبي يلبّي طلبات كلّ إمرأة

GMT 20:39 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رواية "كل نفس" لنيكولاس سباركس تتصدر أعلى المبيعات

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

"كورشوفيل" أبرز منتج للتزلَج على مستوى العالم

GMT 06:50 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

مشكلات سياسية واقتصادية تواجه منتدى "دافوس"

GMT 17:34 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

مؤامرات ليبية يدعمها قادةٌ عرب لإحباط قمّة بيروت

GMT 22:06 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

الأهلي يوضح حقيقة الحصول على دعم في تمويل صفقة الشحات

GMT 01:32 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة كوكي تعرب عن سعادتها بشأن فيلم "ورد مسموم"

GMT 03:35 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أمينة خليل تنتظر عرض فيلمَي "122" و"الكنز 2" في دور العرض

GMT 23:20 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبارنا الحقيقي لـ الجوهرة Cullinan أفخم سيارة SUV في العالم

GMT 14:51 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

"ديكورات ورود" رائعة ومميزة لتزيين حوائط منزلك

GMT 16:04 2018 السبت ,05 أيار / مايو

الفحوص تؤكد تورط أسبل كيبروب بالمنشطات
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq