هل نحن طائفيّون

هل نحن طائفيّون؟

هل نحن طائفيّون؟

 العراق اليوم -

هل نحن طائفيّون

حازم صاغية
بقلم: حازم صاغية

مظاهرات العراق، الجبارة والشجاعة، أثارت في بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ، وفي عدد من المقالات الصحافيّة، مسألة الطائفيّة: هل نحن طائفيّون؟

بعضنا، ممن ينفون الطائفيّة عنّا، وجدوا في الحدث الكبير برهانهم الساطع: لقد تظاهر أبناء المناطق المأهولة بالطائفة الشيعيّة ضدّ حكّام من الشيعة وضدّ ميليشيات تنتسب إلى الطائفة ذاتها وترعاها طهران. أحد الهتافات التي تردّدت في المظاهرات يقول: «سُنّة وشيعة... هيدا الوطن ما نبيعه». إذن، كما استنتج البعض، لا توجد طائفيّة في العراق.

الهتاف المذكور، للأسف، لا يعني الكثير. إنّه قد يوحي عكس ما يقوله، تبعاً لتركيزه على «السنة والشيعة». إنّه يجهد لنفي الخلاف بين الطائفتين بما يسلّط الضوء على الخلاف. هذا قد يذكّر برفع الهلال والصليب وهما يتعانقان في لبنان، خصوصاً في المناسبات التي يراد فيها توكيد لبنانيّة اللبنانيين ضدّاً على طائفيّتهم. مع هذا، فإنّهم... طائفيّون.

أمّا أن ينتفض محكومون شيعة ضدّ حكّام شيعة فهذا، بدوره، لا يكفي لنفي الطائفيّة. ذاك أنّ الأخيرة ليست رابطة مطلقة تلغي كلّ تناقض في داخلها، وتُعدم كلّ مستوى آخر من مستوياتها الكثيرة. فهناك بالطبع شيعة أغنياء وشيعة فقراء، وهناك بينهم أجيال مختلفة، وهم آتون من مناطق شتّى، ويحملون ثقافات فرعيّة متباينة، كما أنّ بعضهم أقلّ تحمّلاً للسيطرة الإيرانيّة من بعضهم الآخر. الفريق عبد الوهاب الساعدي، الذي ارتبطت باسمه هزيمة «داعش»، شيعيّ، أما الذين أزاحوه وأودعوه الإقامة الجبريّة فشيعة أيضاً. مؤخّراً في لبنان اعتصم ناشطون وناشطات شيعة أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لإحياء ذكرى الناشطة الراحلة نادين جوني التي «قتلتها» محاكم الطائفة قبل أن يقتلها حادث سير.

والحال أنّ ما من رابطة مطلقة، طائفيّة أو غير طائفيّة، تنوب بالكامل عن سائر الروابط الاجتماعيّة، لا في العراق ولا في سواه من البلدان. وغالبيّات السكّان في منطقتنا قد تكون طائفيّة ووطنيّة ومناطقيّة وطبقيّة في وقت واحد، مع تحوّل في جرعات المُركّب هذا تبعاً لعوامل كثيرة. أهمّ من ذلك، وأشدّ تعييناً للواقع، أنّ الصدام الشيعي - الشيعي يحصل فيما «الآخرون» خارج الصورة: الأكراد العراقيّون يعيشون همومهم ويخوضون معاركهم بالاستقلال التامّ عن معارك العراقيين العرب وهمومهم، والعكس صحيح. السنة العراقيّون، بدورهم، مشاركتهم في المظاهرات ضئيلة، إن لم تكن رمزيّة، لأسباب لا يمكن فصلها عن التنازع السنّي - الشيعي الذي انفجر في 2006 حرباً أهليّة. ذاك أنّ واقع الغلبة الطائفيّة حوّل الظهور الجمعي للسنة إلى موضع اشتباه أو فعل تجرّؤ. السبب؟ تهمتا البعثيّة والداعشيّة اللتين استخدمتا وتُستَخدمان لإبقاء السنة خارج الفعل السياسيّ. هكذا تصرّف المتظاهرون تصرّف مَن يحتجّ داخل بيته على أفراد آخرين من الأسرة نفسها، دون أن يخاف استغلالَ الأُسَر «الغريبة» لاحتجاجه. وليس بلا دلالة أنّ أربعينيّة الإمام الحسين محطّة ينتظرها الجميع، إمّا كمناسبة لتصعي
د التظاهر أو لتبديده الاستباقي كما تريد السلطة.

لا يُقصَد بهذا أنّ الطائفيّة قدر العراقيين وسواهم من العرب، أو أنّها معطى جامد لا يقبل التغيير. المقصود هو استبعاد التبسيط والوقوع في إغراء الصورة الورديّة كما ترسمها المظاهرات أو أحداث أخرى مشابهة وسريعة العبور. وميلنا إلى الوقوع في هذا الإغراء كبير: فما هو حديث وعصري فينا يجعلنا نخجل بأنّ نُسمّى طائفيين (أو عشائريين)، فنبادر إلى الاستهجان. وما هو نرجسي فينا يأبى الإقرار بأنّنا «أقلّ» من الشعوب التي لا توصف بالطائفيّة، فنبادر إلى النفي. هكذا، وفي استخدام بالغ السخاء للعنصريّة أو للاستشراق، نروح نرمي بهما كلّ افتراض يجرح حداثيّتنا ونرجسيّتنا. نروح أيضاً نردّ هذه «الآفة اللعينة» إلى عامل خارجيّ، أكان نظاماً كنظام صدّام حسين أو نوري المالكي، أو بلداً كأميركا أو إيران وقبلهما السلطنة العثمانيّة. هؤلاء من غير شكّ ساهموا، على نحو أو آخر، في تمكين الطائفيّة وتعزيزها، وبمجموع أفعالهم جعلوا الطائفيّة على ما هي عليه. لكنّ هؤلاء لا ينوبون عن البنى الاجتماعيّة التي استثمروها واستثمروا فيها. وتاريخ العراق الحديث، كما تاريخ بلداننا جميعاً، ليس مُبرّأ من تلك «الآفة اللعينة».

هناك مسألة أخرى تستوقف الناظر: إنّ أنظمة الاستبداد القومي تقدّم رواية غير طائفيّة عن عالمها وعن العالم. في هذه الرواية، نحن شعب واحد لا يقبل الانقسام والتجزئة. نحن إخوان. كلّ من يتحدّث عن فوارق وتمايزات إمّا ضالٌّ ساذج أو مُضلِّل مشبوه. لهذا يُستحسَن بالذين يريدون التغيير ألا يستخدموا حجارة الأنظمة نفسها لبنائهم الجديد الموعود. إنّ الإقرار بالتعدّد والاختلاف، لا بالواحديّة الكاذبة، هو ما يمهّد للإعداد الطويل الذي لا بدّ منه لمن يريد تخطّي الثورة المضادّة الراهنة. فـ«الشعب» ليس واحداً، ونحن لا نجعله واحداً بالإنكار، لا في العراق ولا في سواه. أمّا أن تتلطّخ صورتنا قليلاً فهذا قد يكون ضريبة لا مهرب من دفعها كي نتحلّى بالمسؤوليّة عن بلدان منكوبة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نحن طائفيّون هل نحن طائفيّون



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 05:09 2017 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

بدء عرض مسلسل "حديث الصباح والمساء" على "أون دراما"

GMT 04:02 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تكشف عن خطأ في حزام الأمان في سيارتها "S"

GMT 10:04 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن مرتدي النظارات أصحاب مستوى ذكاء مرتفع

GMT 17:04 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

محمود وحيد يكشف عن سعادته بالانضمام إلى الأهلي

GMT 19:56 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على خطوات تنظيف الجدران من الأتربة المتراكمة بسهولة

GMT 10:09 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

"العرب اليوم" ينفي شائعات وفاة الفنانة فيروز

GMT 00:19 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

فيلم "عقدة الخواجة" يحقّق إيرادات مليون جنيه خلال 48 ساعة

GMT 11:57 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف عن حقائق تعاقدات الأهلي الجديدة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq