لبنان الكذب الذي يستحيل كشفه

لبنان: الكذب الذي يستحيل كشفه!

لبنان: الكذب الذي يستحيل كشفه!

 العراق اليوم -

لبنان الكذب الذي يستحيل كشفه

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

أُسبغ على تكليف سعد الحريري تشكيل حكومة لبنانيّة جديدة، وخصوصاً على احتمالات تأليفه لها، ما لا حصر له من أوصاف ومن علامات تعجب واستفهام، بعضها في معرض إيجابي وبعضها في سياق سلبيّ. «هل ينجح في تحدّي الاستحالة؟»، «إنّها اجتراح المعجزة»، «العمل المصيريّ»، «الصعوبة الخارقة»... هذه بعض التعليقات والأسئلة على هامش الحدث. هذا فضلاً عن استخدام الحريري نفسه تعبير «تجرّع السمّ»، حين وافق في وقت سابق على تولّي شيعي وزارة الماليّة. الجميع يومها تذكّروا أنّ آية الله الخميني هو من استعمل، للمرّة الأولى، ذاك التعبير كي يعلن موافقته على إنهاء الحرب مع العراق، والتي كلّفت مليون قتيل.
إذن تكليف أحدهم تشكيل حكومة، وخصوصاً تأليفه لها، حدثان أقرب إلى الهيولي والخارق منهما إلى السياسيّ. فالتوصّل إلى حكومة يلحّ عليها ترقيع الانهيار الاقتصادي والأزمات الخانقة الأخرى، أمر بات يتعدّى طاقة البشر!
نلاحظ في المقابل، وقبل أسابيع قليلة فقط، أنّ التفاوض على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل كان لحظة إجماع استثنائي بين الأطراف الطائفيّة - السياسيّة الفاعلة. البعض تحمّس له. البعض وافق بنصف حماس. البعض صمت راضياً. البعض الأخير سجّل عتبه ثمّ غضّ النظر. لقد بدا الأمر مما يستطيعه البشر ومما يستطيعون التوافق حوله. إنّه في غاية العاديّة والطبيعيّة.
المقارنة بين التطوّرين هذين تنمّ عن حقيقة خطيرة في دلالاتها اللبنانيّة: كلّ القوى الطائفيّة الوازنة مستعدّة لتسوية خارجيّة ما، ولو مع إسرائيل التي يوصف الصراع معها والعداء لها بالمصيري والمقدّس. «حزب الله»، وهو دائماً شيخ الوصّافين، ليس استثناء من ذلك. لكنّ القوى نفسها غير مستعدّة إلاّ بشقّ النفس للتوصّل إلى تسوية داخليّة فيما بين «الأخوة»، تسوية تحدّ قليلاً، أو تؤجّل قليلاً، قضمها الاقتصادي والسياسي لما تبقّى من دولة ومن مجتمع، فضلاً عن سعي واحدتها لالتهام ما لا تستطيع أن تلتهمه الأخرى.
لقد كان بالغ الدلالة مثلاً أنّ القوى الدوليّة قادرة على إحراز النجاح في جعلنا نقبل بالتسوية الخارجيّة. أمّا فيما خصّ التسوية الداخليّة فهي لا تنجح. حتّى رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، وعبر زيارتين متتاليتين، قد لا يتمكّن من ذلك. نتذكّر، مع الاختلاف في التفاصيل والعناوين، أنّ التسويات السابقة استدعت لقاءً استثنائيّاً بين فؤاد شهاب وجمال عبد الناصر (1959) ومؤتمري الرياض والقاهرة (1976) ومؤتمر الطائف (1989) ومؤتمر الدوحة (2008).
تقول هذه المقارنة شيئين: واحداً معروفاً ومكشوفاً، والآخر لا يزال، إلى هذا الحدّ أو ذاك، مُقنّعاً وعلى شيء من الاستتار.
أمّا الشيء المعروف فيمكن أن نسمّيه السعر: ما السعر الذي تطلبه كلّ زعامة طائفيّة على حدة، والجماعة الحاكمة بسائر مكوّناتها. أولويّة التسعير هذه اكتسبت أوزاناً مضاعفة مع الوجهة التي انطلقت بعد اتفاق الطائف، وتصاعدت بعد جرائم 2005. لتستقرّ في أعلى الذروة مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة عام 2016. بطل هذه الوجهة اليوم قد يكون الوزير - الصهر جبران باسيل لكنّ البطولة لا تقتصر عليه.
أمّا الشيء المُقنّع نسبيّاً فهو أنّ الآيديولوجيا لا تعني للبنانيين، في آخر المطاف، الشيء الكثير. موضوع إسرائيل وفلسطين، بغضّ النظر عن القداسة التي تُضفى عليه، لا يخرج عن هذا التقدير. قيادات الطوائف تستخدم الآيديولوجيا على النحو الذرائعي الذي يلائمها، وجماهير الطوائف تندفع فيها حين يتراءى لها أنّها تصلح بنداً من بنود «برنامجها» الطائفي النافع، وأنّها تنسجم مع أفكار بيئتها التلقائيّة والموروثة. حين يتراءى غير ذلك يتمّ الطلاق من الآيديولوجيا.
استطراداً، حدود الأفكار والوعي ضيّقة دوماً: فليست الأفكار هي التي حملت أكثريّة ساحقة من المسيحيين ذات مرّة على مناهضة الناصريّة ثمّ الثورة الفلسطينيّة. والأفكار ليست ما حمل أكثريّة ساحقة من السنة ذات مرّة على مبايعة الناصريّة ثمّ المقاومة الفلسطينيّة. كذلك فالأفكار ليست ما حمل أكثريّة الشيعة على الالتفاف حول «حزب الله» ونظامي خامنئي والأسد.
في هذا المعنى، لا يفعل «حزب الله» حين يتحدّث عن «إزالة إسرائيل» و«الصلاة في القدس» غير إضافة فصل جديد إلى قاموس الكلام اللبناني الملتوي. ولو قدّم الحزب نفسه للعالم كأداة سياسيّة وتنظيميّة لطائفة من الطوائف لأمكن للنقاش، رغم صعوباته، أن يستوي قليلاً. عندها نتحدّث جميعاً في السعر والتسعير، كما كان الحال ضمناً عند التوافق على ترسيم الحدود.
هذا الازدواج الخانق والكاذب في الحياة اللبنانيّة هو بعض ما حاولت ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل عام، أن تتصدّى له وهو بعض ما فشلت فيه. فقد تبيّن، للمرّة الألف، أنّ تطويع الطوائف عمليّة لا تملك الثورة، وأي ثورة، قواها، وأنّ استمرار الكذب بالآيديولوجي والمقدّس حاجة لا يقوى عليها أحد: إنّ التسعير بحاجة إلى القداسة، والقداسة إنّما وُجدت لرفع الأسعار.
وبفعل هذا الفشل، سنمضي طويلاً في العيش بموجب ازدواج خانق وكاذب... لكنّه أيضاً قامع ونهّاب. أمّا الحكومة فنتحدّث حين تتشكّل!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الكذب الذي يستحيل كشفه لبنان الكذب الذي يستحيل كشفه



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 00:11 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

إدارة ترامب تعلن قتل الطيور المهاجرة ليس جريمة

GMT 18:58 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

عقد قران ابنة الحبيب علي الجفري بمهر 5 أوقيات فضة

GMT 22:38 2016 الجمعة ,03 حزيران / يونيو

تعليم الصلاة للأطفال مسؤولية الأمهات

GMT 13:27 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

سيدات تحرضن على ممارسة الرذيلة في الهرم

GMT 18:03 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات جريئة للفنانة مي سليم تلفت الأنظار إليها

GMT 10:49 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

بطولة اللاجئين

GMT 22:00 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفضل وجهات المغامرة لمحبي المغامرة والتجديد

GMT 20:26 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

السجن المؤبد على سوري قتل طليقته ببث مباشر على "فيسبوك"

GMT 12:08 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

وفاة "حسني مبارك" تتصدر "تويتر" في السعودية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq