وداعاً لوطنيّة مزغولة

وداعاً لوطنيّة مزغولة

وداعاً لوطنيّة مزغولة

 العراق اليوم -

وداعاً لوطنيّة مزغولة

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

في الروابط الاجتماعيّة الكبرى، كالأديان والأوطان والعائلات، يسود نوع من الخجل الذي يكبت النقد. فهناك تاريخ مديد من تقديس تلك الروابط، ومن اعتبار الخروج عليها، أو التعرّض لأعضاءٍ آخرين فيها، لوناً من المروق. وفي أزمنة يَطيب للبعض فيها وصف الحياة كلّها بالصراع والعداوة، يغدو التجرّؤ على «أهلنا» ممّن يشاركوننا الانتماء إلى تلك الروابط أشبه بخيانة عظمى.

ومن الخجل وكبت النقد، بهدف التطابق الظاهريّ، يأتي الإنكار، ومن الإنكار يأتي الكذب. أمّا الذين يستفيدون من خجل الخَجِلين فهم الذين عيّنوا أنفسهم مناضلين أو مجاهدين أو معبّرين عن مصالح الجميع ممّن ينتسبون إلى ذاك الرابط.

بعض اللبنانيّين قرّروا مبكراً ألا يخجلوا ولا يكذبوا، أي أن يقولوا رأيهم بصراحة في الوطن والوطنيّة والشراكة فيهما. وإذا صحّ أنّ الوجهة هذه تطوّرت في السنوات الأخيرة بإيقاع متسارع، فإنّ بداياتها تضرب في الثمانينيّات. حينذاك أحسّ كثيرون بأنّ أوضح أشكال التحرير الذي يعدنا به «حزب الله» هو استقلاليّة الضاحية الجنوبيّة على المستويات جميعاً، بما في ذلك خطف الأجانب واستخدامهم أوراقاً في الحرب العراقيّة – الإيرانيّة. وفي التسعينيّات، وُجد مَن يتخوّف من مقايضة مُختلّة، بل مزغولة، ينطوي عليها التحرير الموعود. ذاك أنّ استعادة جزء من لبنان قد يقابله تمدّد إيرانيّ يتجاوز النفوذ السياسيّ إلى طرق الحياة نفسها. هكذا بات يُخشى أن يترافق تحريرٌ كهذا مع تحوّلنا إلى شعبين وطريقتين في الحياة، بحيث نربح أرضاً ونخسر كلّ شيء آخر. وإذ حصل التحرير فعلاً في 2000، غدا زَغَل المقايضة أشدّ فداحة: مقابل مزارع شبعا التي نطمح إلى كسبها، كما قيل في الأدبيّات النضاليّة، ندفع ثمناً باهظاً، هو أن تبقى البندقيّة في أيدي حامليها دون سواهم من اللبنانيّين. ثمّ جاءت اغتيالات 2005 لتزيد حجم المتجرّئين، خصوصاً وقد تأكّدت وحدة الحال بين «حزب الله» وقوّات الأمن السوريّ التي يُفترض بها رعاية أمن المقتولين. حينذاك تحوّلت كذبة «الإجماع على المقاومة» إلى نكتة. ولولا ميشال عون الذي هبّ، من خلال «تفاهم مار مخايل»، لإنجاد الحزب، لَبدا التآكل الوطنيّ الذي يضربه أكبر كثيراً. وعلى أيّ حال، فهذا بالضبط ما حصل في 2008 عند اقتحام بيروت، حيث انفضّ عنه قطاع عريض من مؤيّديه، ليتكرّر الأمر نفسه مع التدخّل في الحرب الاحتلاليّة في سوريّا. وفي 2015 سُمّي حسن نصر الله للمرّة الأولى بوصفه «واحداً منهم»، أي من رموز الجماعة الحاكمة والمُدانة في لبنان. لقد بدا ذلك نوعاً من تفسير ضروريّ لشعار «كلّن يعني كلّن»، وهو تفسير فاجأ مناصري الحزب لشدّة جرأته التي استفزّتهم فقمعوه بالقوّة. أمّا اليوم، بعد الثورة وهزيمتها، وبعد اغتيال لقمان سليم، فبات شعار «كلّن يعني كلّن» يبدو قليل التجرّؤ وقليل العدل لأنّ حامل السلاح «أكثر منهم» سوءاً، خصوصاً أنّه هو الحامي الأخير للمنظومة الحاكمة.

وعموماً بات واضحاً لأعداد متزايدة أنّ تغيير لبنان وقوّة «حزب الله» خطّان لا يلتقيان، وأنّ بقاء لبنان فقيراً ومنهوباً ومستكيناً شرط من شروط تلك القوّة، والعكس بالعكس.

لكنّ هذا الانحسار على النطاق الوطنيّ، والذي يلمسه الحزب بالتأكيد أكثر ممّا يلمسه أيّ طرف آخر، ينبغي أن يكون بالغ الإقلاق لأيّ تنظيم وطنيّ. مع ذلك، فالحزب ليس قلقاً لسبب بسيط: إنّ ما يعنيه، وهو الحزب الذي يحرّر أراضي الوطن، لا يكمن في «الوطن» وسكّانه. إنّه يكمن حصراً في «الطائفة».

ففي موازاة خطّ الانحسار الوطنيّ المشار إليه، هناك خطّ الانتعاش والتوسّع المؤكّد في طائفته. تندرج في الوجهة هذه سائر الأحداث التي أدّت إلى الانحسار إنّما على نحو مقلوب: الحرب في سوريّا التي بدأت تحت عنوان الدفاع عن مقام السيّدة زينب، تتطوّر إلى حرب لصدّ «خطر التكفيريّين». قبلها، كانت حرب 2006 قد انقلبت مسرحاً للتباهي بـ«انتصار» عجز عنه «كلّ العرب»...

فليس من المبالغة أن يقال، والحال هذه، إنّ الوطنيّة التي يبيعنا إيّاها «حزب الله» هي اليوم الخطر الأكبر على ما تبقّى من وطنيّة في لبنان. لهذا نجد اللبنانيّين يغادرون تباعاً خجلهم متجرّئين على نقد هذا الرابط الكبير المزعوم. فلا التحرّر والتحرير، ولا الكرامة وإذلال العدوّ، ولا فلسطين والمسجد الأقصى، تعني لباقي السكّان أكثر ممّا تعنيه لبائع تلك الشعارات، أي «حزب الله» نفسه. وبسبب مبارحة الخجل والكذب، نجد دعاة الوطنيّة المزغولة يعيّرون الناجين من الخديعة بالخيانة والعمالة وسائر التهم المبتذلة.

إنّ الشيء الوحيد المؤكّد، والحال هذه، أنّ هذه السلعة المعروضة فقدت جاذبيّتها. الشتائم والتهم لن تستطيع أن تعيد إليها جاذبيّةً عجزت عن إعادتها ترسانة من رصاص وعبوات وصواريخ.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وداعاً لوطنيّة مزغولة وداعاً لوطنيّة مزغولة



GMT 20:24 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 22:43 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

المنسي في وادي الملوك

GMT 10:32 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

تكاملُ اللامركزيّةِ والتدويل في لبنان

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 02:14 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد شعبان يكشف أن الشخص الذي يضر غيره يعود له الضرر

GMT 14:39 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاء عامر تتألق في مهرجان القاهرة بتوقيع هاني البحيري

GMT 14:52 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ريم البارودي ترد بشكل غير مباشر على تصريحات سمية الخشاب

GMT 13:12 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواطن تركي يحتفل بحكم طلاقه من زوجته بذبح خروفين

GMT 14:39 2015 الأربعاء ,24 حزيران / يونيو

خلطة الجلسرين والليمون لتبييض المناطق السمراء

GMT 06:16 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة السباق "كاترهام سيفن" وجهٌ آخر للتراث البريطاني

GMT 04:56 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

أملاك خاصة تعطل مشاريع وزارة النقل التي تنفذها في محافظة جدة

GMT 17:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

كرويف يُصرح أنه كان يتمنى جوارديولا في اليونايتد

GMT 08:03 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

أمين يوسف غراب ... الأديب الذي اكتشف نفسه

GMT 00:47 2017 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

"المغناطيس" للقضاء على "حركة العين اللا إرادية"

GMT 04:52 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

"سوبارو" تُطلق نماذج جديدة من سيارات "Forester" و"Impreza"

GMT 01:28 2018 الجمعة ,19 تشرين الأول / أكتوبر

النحات هشام المليح يُنجز مجموعة بورتريهات نحتية

GMT 08:38 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

نقل الفنان تامر حسني إلى المستشفى بعد إصابته بوعكة صحية

GMT 21:15 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

طارق الغبابشة يتوج بلقب "كأس نورمان" للغولف

GMT 06:17 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

اوتلاندر PHEV 2019 تتمتع بانخفاض الضرائب
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq