ماكرون وفيروز… والرهان على لبنان آخر

ماكرون وفيروز… والرهان على لبنان آخر

ماكرون وفيروز… والرهان على لبنان آخر

 العراق اليوم -

ماكرون وفيروز… والرهان على لبنان آخر

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

من يتمعّن بكل ما تمثله امرأة ثمانينية مثل فيروز، وفي معنى ذهاب الرئيس الفرنسي إلى بيتها، يكتشف أن لبنان ما زال لديه ما يقدمه للعالم وللمنطقة وأن رهان فرنسا على انتصار ثقافة الحياة على ثقافة الموت لا يزال قائما.

لدى عودته مرّة ثانية إلى بيروت، في غضون ثلاثة أسابيع، شاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يكون، هذه المرّة، بيت السيدة فيروز محطته اللبنانية الأولى. أراد بذلك أن يقول إن هناك لبنان آخر لا يزال في الإمكان الرهان عليه في حال كان مطلوبا “إعادة تأسيس” البلد.

ترمز فيروز، المطربة التي تجاوز عمرها الثمانين، إلى كل ما كان جميلا في لبنان. ترمز قبل كلّ شيء إلى ثقافة الحياة وإلى تراث غنيّ ضاع بعضه بعد تفجير ميناء بيروت قبل ثلاثة أسابيع مع ما أدّى إليه ذلك من تدمير لقسم من المدينة ومن مبانيها الأثرية وبيوتها العريقة ومعالمها وأحيائها القديمة ومتاحفها، ومن أبرزها متحف سرسق.

من خلال تقديمه فيروز على كلّ كبار المسؤولين والزعماء السياسيين اللبنانيين، يبدو واضحا أن الرئيس الفرنسي يريد توجيه رسالة ما. فحوى هذه الرسالة أنّه لا يزال في لبنان ما يمكن البناء عليه. ما يمكن البناء عليه هو تراث حضاري قائم على ثقافة الحياة التي تعتبر فيروز من بين أبرز وجوهها. لم تقتصر ثقافة الحياة على إشعاع لبناني لفيروز. غنت المطربة اللبنانية الأكثر شهرة في السنوات الستين الأخيرة في كلّ أنحاء العالم، بما في ذلك باريس ولندن ونيويورك، فضلا عن معظم العواصم العربية، خصوصا دمشق. لم يوجد في العالم العربي من يضاهي فيروز شهرة سوى “كوكب الشرق” أمّ كلثوم التي ما زالت ترمز إلى ما كانت عليه الحياة الفنّية والثقافية في مصر… والدور الريادي الذي لعبته مصر، في مرحلة معيّنة، خصوصا في العهد الملكي، في نشر ثقافة الفرح المرتبطة بكل ما هو حضاري في المنطقة.

رفضت فيروز الاستسلام، على الرغم من كلّ الحروب اللبنانية التي مرّت على لبنان. ما زالت فيروز ترمز إلى عظمة مهرجانات بعلبك والى عظمة مدينة كان يمكن أن تكون قبلة مشاهير العالم لولا ثقافة الموت التي معروف من ينشرها في لبنان وفي المنطقة. من مهرجانات بعلبك، التي كان يحضرها مشاهير من مختلف أنحاء العالم، بقيت فيروز. بقيت فيروز بعد غياب الكبار الكبار، من الأخوين رحباني، إلى وديع الصافي ونصري شمس الدين، إلى صباح التي نافس صوتها صوت فيروز... إلى آخرين كثيرين يصعب تعداد كلّ أسمائهم في مقال واحد. قليلون بقوا احياء من الكبار من أمثال عبد الحليم كركلّا وفرقته...

هل جاء إيمانويل ماكرون ذو الحسّ المرهف يودّع لبنان ويعلن أن لا أمل في قيامته… أم جاء ليقول للبنانيين إن هناك أملا وإن في الإمكان سدّ الفراغ السياسي القائم، وهو فراغ أفضل من يعبر عنه وجود رئيس للجمهورية اسمه ميشال عون يرفض تحمّل مسؤولياته على أي صعيد كان، بما في ذلك الاستقالة. هذا ما ظهر بوضوح من خلال تبريره لعدم الإقدام على أي خطوة، في أيّ اتجاه كان، بعدما أبلغه المعنيون قبل ما يزيد على أسبوعين من تفجير ميناء بيروت عن وجود مواد خطيرة في أحد عنابر الميناء.

لا حاجة، بالطبع، إلى فتح ملفّ الكهرباء ودور “التيّار الوطني الحر” في منع إعادتها إلى لبنان، فضلا عن العجز الذي سبّبه “التيار” في مجال زيادة الدين الخارجي. الأكيد أن الرئيس الفرنسي يعرف أدقّ التفاصيل عن لبنان. يعرف خصوصا أن لا خلاص للبلد من دون التخلّص من الطبقة السياسية الحالية ومن الأحزاب التي تعتمد المحاصصة.

يعود ماكرون إلى بيروت في مناسبة الذكرى المئوية لإعلان “لبنان الكبير” في الأول من أيلول – سبتمبر 1920 من قصر الصنوبر في بيروت. سيمكث في قصر الصنوبر الذي هو مقر السفير الفرنسي في لبنان. سيأتي ليقول إن بلدا مثل لبنان، أنجب فيروز، لا يستأهل الموت و”الزوال” عن خارطة المنطقة والعالم. هذا ما حذّر منه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قبل أيّام.

يعرف ماكرون لبنان الآخر، لبنان فيروز، لبنان أمين معلوف أيضا، المقيم في باريس، عضو الأكاديمية الفرنسية. حرص ماكرون، قبل فترة قصيرة، على تكريم أمين معلوف في قصر الإليزيه.

من خلال قراءة النقاط التي ضمنها كبار المسؤولين الفرنسيين المهتمين بلبنان “ورقة مفاهيم” من أجل تشكيل حكومة لبنانية، يتبيّن غياب أي ثقة بالحكم القائم. تدعو “ورقة المفاهيم” إلى “التشكيل السريع لحكومة من أجل تفادي فراغ في السلطة تجعل لبنان يغرق أكثر في الأزمة” التي يعاني منها. تدعو أيضا إلى “تشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية التي يمر فيها لبنان”.

هناك نقاط عدّة وردت في “ورقة المفاهيم” الفرنسية التي تخلص إلى القول إن فرنسا “ستنظم في أقرب وقت ممكن مؤتمرا دوليا لإعادة التأسيس يسمح بإعادة تمويل البلد وتحقيق سيادته الكاملة”.

من يتمعّن بكل ما تمثله امرأة ثمانينية مثل فيروز، وفي معنى ذهاب الرئيس الفرنسي إلى بيتها، يكتشف أن لبنان ما زال لديه ما يقدمه للعالم وللمنطقة وأن رهان فرنسا على انتصار ثقافة الحياة على ثقافة الموت لا يزال قائما. صحيح أن تفجير ميناء بيروت كشف الفراغ السياسي الكبير في لبنان، لكنّ الصحيح أيضا أن ثمّة حاجة إلى ملء هذا الفراغ بطريقة أو بأخرى.

من سيملأ الفراغ؟ الخيار الفرنسي واضح كلّ الوضوح. إنّه يقوم على فكرة تشكيل حكومة جديدة قادرة على منع سقوط البلد، حكومة من نوع مختلف تضمّ شخصيات تتمتع بكل الصفات التي تؤهلها للعب دور ذي طابع إنقاذي.

معنى ذلك حكومة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بنوع الوزراء الذين جاء بهم “التيّار الوطني الحر” وغيره إلى الحكومة، أي وزراء يتمتعون قبل كلّ شيء بصفة الشفافية بدل الفساد والتزلّف والانتهازية والسطحية والتعصّب الطائفي التي تميّز أنصاف المتعلّمين والمثقفين. الأهمّ من ذلك كلّه، أن تكون هناك حكومة تطالب بلجنة تحقيق دولية في تفجير ميناء بيروت.

يحتاج لبنان إلى وزراء صادقين أوّلا يفهمون معنى الشفافية ومعنى أن تعود الكهرباء إلى البلد في أسرع وقت بدل أن تكون مصدر صفقات تخدم الأغراض السياسية لهذا الفريق أو ذاك.

في ظلّ الفراغ السياسي القائم، يبحث الرئيس إمانويل ماكرون في تاريخ لبنان، لعلّه يخرج منه من هو قادر على إعادة الحياة إلى بلد ليس مضمونا أنّه سيخرج بسلام من تجربة مئويته الأولى…

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون وفيروز… والرهان على لبنان آخر ماكرون وفيروز… والرهان على لبنان آخر



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 02:48 2016 السبت ,24 أيلول / سبتمبر

قالب معكرونة بشاميل محشية بالدجاج والشيدر

GMT 14:46 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

صور شهداء ذي قار تزين باحة مجلس النواب العراقي

GMT 23:04 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

مُنخفض قطبي يضرب عددًا مِن الأراضي الفلسطينية

GMT 18:50 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

خمسة أسئلة تساعدك على تحقيق أحلامك في عام 2019

GMT 12:17 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

3 نصائح للرجال لاختيار لون ربطة العنق المناسبة

GMT 03:32 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

6 أفكار أنيقة مميزة لزينة حفلات الزفاف

GMT 20:44 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعلامية داليا كريم تنهي مأساة أسرة عمرها سنوات

GMT 04:03 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الكلاسيكية تطغى على منزل سكارليت جوهانسن الجديد

GMT 05:24 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

نهيان بن مبارك يحضر أفراح الساعدي والراشدي

GMT 20:52 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

تعاون روسي سعودي في مجال الطاقة الكهربائية

GMT 01:37 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

"روسيا" تختبر شاحنة قادرة علي السباحة

GMT 10:40 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

نيللي مقدسي تطرح كليب "هلا هلا" لجمع نساء العالم

GMT 05:02 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

كمين أمني محكم يوقع تاجر "مواد مخدرة" في العيون

GMT 19:57 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

تأمّل أن تحصل على فرصٍ أفضل هذه السنة

GMT 21:36 2016 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

مجوهرات لازوردي تضع لمسات الفخامة على طلّتك
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq