بحثا عن صيغة جديدة للبنان

بحثا عن صيغة جديدة للبنان

بحثا عن صيغة جديدة للبنان

 العراق اليوم -

بحثا عن صيغة جديدة للبنان

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

في السنة 2020، لم يبق سوى "الحياد" وسيلة لممارسة المقاومة في وجه الحاقدين على لبنان والراغبين في جعله ورقة إيرانية من أجل صفقة تحلم بها طهران مع "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الأصغر".

كشفت الكارثة التي حلّت ببيروت أنّه لم يبق أمام لبنان سوى “الحياد”. كذلك كشفت حاجة البلد إلى صيغة جديدة يقوم عليها في حال كان مطلوبا بقاؤه على قيد الحياة. صيغة بعيدة كلّ البعد عن صيغة الدويلة، أي دويلة “حزب الله” التي تتحكّم بالدولة اللبنانية بما في ذلك ميناء بيروت.

لا وجود لبديل من الحياد، سوى الخراب والدخول في مزيد من المغامرات التي تهدّد وجود البلد. هذا ما أظهرته تجربة لبنانية عمرها 51 عاما، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969… وصولا إلى ما حلّ ببيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020. لعلّ الكارثة تكون مدخلا إلى الصيغة الجديدة التي لا يمكن إلّا أن تبدأ بـ”الحياد” وخروج ميشال عون من قصر بعبدا ورحيل حسّان دياب وحكومته، “حكومة حزب الله”.

ثمّة من يحاول تجاهل التجربة المرّة التي يعيشها لبنان منذ ما يزيد على نصف قرن عن طريق الشعارات الطنانة، من نوع “المقاومة” و”الممانعة” من جهة والهرب من الواقع من جهة أخرى. لا تطعم الشعارات خبزا ولا تعيد أموال المودعين في المصارف، للأسف الشديد.

لبنان يعاني من العزلة. لا يكسر طوق العزلة سوى “الحياد” الذي لا يعني بأيّ شكل التخلّي عن المواقف العربية المعروفة من فلسطين والفلسطينيين

لا يمكن حماية لبنان بالهرب من الواقع المتمثّل في أن لبنان أخطأ بحق ذاته وأن اللبنانيين لم يعرفوا يوما أنّ ما افتقدوه، بسبب ما اقترفوه بحقّ أنفسهم أوّلا. ما افتقدوه لن يستعيدونه في يوم من الأيّام.

لم تكن دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى “الحياد” سوى محاولة أخيرة لجعل اللبنانيين يتصالحون مع الواقع بدل اللجوء إلى أعذار تعجيزية من النوع المضحك المبكي لتبرير رفض “الحياد”. من بين هذه الأعذار الحاجة إلى “إجماع وطني” كي يتحقّق “الحياد”. كانت تلك الرسالة التي حملها جبران باسيل رئيس “التيّار الوطني الحر” إلى البطريرك الراعي، وهي في الواقع رسالة من “حزب الله” الذي لا يزال باسيل يعتقد أنّه سيجعل منه رئيسا للجمهورية في السنة 2022… أو ربّما قبل ذلك!

المسألة بكل بساطة مسألة حياد أو لا حياد. مسألة أن يكون لبنان أو لا يكون. هذا ما على المحكّ. ما طرحه البطريرك الماروني فرصة أخيرة لإنقاذ لبنان، هذا إذا كان لا يزال هناك ما يمكن إنقاذه في بلد تعرّض لمجموعة من الانهيارات. انهار النظام المصرفي وانهارت الجامعة وانهارت المدرسة وانهار المستشفى… وانهار القطاع الفندقي وكلّ ما له علاقة بالسياحة. انهارت الصحافة ودور النشر في لبنان. بكلمتين. انهارت بيروت. لم يكن ينقص سوى الكارثة الأخيرة. انهارت بيروت بكلّ ما تمثّله. هل يمكن الكلام عن بقاء شيء من لبنان؟

بالطبع، سيكون ممكنا الكلام مجدّدا عن لبنان في حال توفّر له الحياد كدولة قادرة على استعادة دورها من خلال عهد جديد لا علاقة له بـ”عهد حزب الله” ومن خلال حكومة مختلفة كلّيا، شكلا ومضمونا، عن”حكومة حزب الله”.
وحده الحياد يستطيع إعادة الثقة بلبنان وإعادة تركيبه على أسس مختلفة. يكون ذلك باستعادة لبنان لعلاقاته العربية والدولية بدل أن يكون مجرّد جرم يدور في الفلك الإيراني. من هذا المنطلق، تبدو دعوة البطريرك الراعي إلى “الحياد” جزءا من مشروع متكامل يمتلك ركائز عدّة. لم يتحدث رأس الكنيسة المارونية عن “الحياد” فقط. شرح أيضا أنّ “الحياد” يعني بين ما يعنيه الابتعاد عن أيّ أحلاف إقليمية أو دولية، وتعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وقيام دولة قادرة. أكثر من ذلك، شدّد على وجود دولة قويّة وجيش قوي. بكلام أوضح، هناك دعوة إلى “فكّ أسر الشرعية اللبنانية” وتنفيذ القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان، في مقدّمها القرارات 1559 و1680 و1701. عندما يتحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون عن التزام لبنان بالقرار 1701، هل يعي أن القرارات الدولية الأخرى، بما في ذلك القرار 1559، وردت في مقدمة نص القرار 1701؟

شكا “حزب الله” دائما من القرار 1559 الذي صدر في أيلول – سبتمبر 2004. في الوقت ذاته، اعتبر النظام السوري في البداية أنّه “غير معنيّ به”، إلى أن اضطرّ إلى الانسحاب عسكريا من لبنان مع ما يعنيه ذلك من انتقال للبلد من الوصاية الإيرانية – السورية، إلى الوصاية الإيرانية المباشرة. من المفترض أن يعي “حزب الله”، هذا الأمر في حال لديه أيّ هامش للمناورة يسمح له بأخذ مصالح اللبنانيين جميعا في الاعتبار، بما في ذلك مصالح الطائفة الشيعية. فتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن شرط من شروط إنقاذ لبنان. ولكن يبقى السؤال هل يريد “حزب الله” إنقاذ لبنان أم كلّ ما يريده أن يكون البلد “ساحة” لإيران؟

هناك فارق كبير بين “الحياد” والحقد على لبنان. يسمح “الحياد” بإعادة مدّ الجسور مع العالم. مع العرب ومع أوروبا ومع أميركا. لا يمكن للبنان البقاء قاعدة معادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة. لا يمكن للبنان أن يكون موضع شكوى أوروبية وأميركية دائمة.

لم تعد أميركا مهتمّة بما يحلّ بلبنان. صار انعدام الاهتمام بلبنان، بمسيحييه ومسلميه، بل بمسيحييه قبل مسلميه، سياسة أميركية وليس سياسة خاصة بإدارة دونالد ترامب. فضلا عن ذلك، يصعب على من يمتلك حدّا أدنى من المعرفة بما يدور في العالم، تجاهل التحولات التي تشهدها أوروبا في مجال العلاقة مع “حزب الله”. تبدو فرنسا في الطريق إلى اتخاذ موقف متشدّد من الحزب، على غرار ما فعلته ألمانيا وبريطانيا أخيرا. كان الموقف الأخير لبرلين منعطفا مهمّا، خصوصا مع الحملة على مناصري الحزب وجمعياته في ألمانيا، وهي حملة ترافقت مع اعتبار الحزب “منظمة إرهابية”!

ثمّة من يحاول تجاهل التجربة المرّة التي يعيشها لبنان منذ ما يزيد على نصف قرن عن طريق الشعارات الطنانة، من نوع “المقاومة” و”الممانعة” من جهة والهرب من الواقع من جهة أخرى

باختصار شديد، إن لبنان يعاني من العزلة. لا يكسر طوق العزلة سوى “الحياد” الذي لا يعني بأيّ شكل التخلّي عن المواقف العربية المعروفة من فلسطين والفلسطينيين.

السؤال في غاية البساطة: هل يريد لبنان فكّ عزلته أم البقاء في هذه العزلة؟ هناك فارق كبير بين من يريد مساعدة لبنان ومن هو حاقد على لبنان، أي على قصة نجاح باتت تنتمي إلى الماضي قاومت ثقافة الموت طويلا.

في السنة 2020، لم يبق سوى “الحياد” وسيلة لممارسة المقاومة في وجه الحاقدين على لبنان والراغبين في جعله ورقة إيرانية من أجل صفقة تحلم بها طهران مع “الشيطان الأكبر” و”الشيطان الأصغر” في يوم من الأيّام.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحثا عن صيغة جديدة للبنان بحثا عن صيغة جديدة للبنان



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:01 2018 السبت ,18 آب / أغسطس

تعرف على موعد طرح Oppo F9 Pro

GMT 17:03 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

الحب أساس الاحتياجات الأسرية

GMT 03:46 2015 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

إيناس النجار تكشف عن تفاصيل أعمالها الفنية المقبلة

GMT 03:44 2016 الأحد ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة إيمي آدامز تتألق في فستان أسود طويل وأنيق

GMT 15:20 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

بَدء عروض مسرحية "زواج سعيد" في الأردن

GMT 02:35 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

فندق فرنسي يتيح قضاء ليلة تحت النجوم بدون خيمة

GMT 10:04 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فائدة جديدة لخلط حليب الثدي مع لعاب الرضيع

GMT 18:11 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عادل الأعصر يقترب من انتهاء تصوير فيلم "خلي بالك من اللي جاي"

GMT 15:32 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

5 خطوات للحصول على رموش جميلة وكثيفة

GMT 18:32 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الفنان هاني سلامة يستكمل تصوير مسلسل " فوق السحاب"

GMT 12:41 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

سعر الدينار الكويتي مقابل ليرة سورية الأربعاء

GMT 23:59 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال السعودي مقابل الدينار العراقي الجمعة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq