سمير سلامة، سنوات المرض والتوهُّج

سمير سلامة، سنوات المرض والتوهُّج !

سمير سلامة، سنوات المرض والتوهُّج !

 العراق اليوم -

سمير سلامة، سنوات المرض والتوهُّج

بقلم : حسن البطل

عادةً، للمعرض الفني ثلاثة أركان: لوحات الرسام/ الفنان على الجدران. مطويّة أو "كتالوغ" عن المعروضات.. والفنان يجول بين لوحاته وحضور معرضه.

المعرض الاستعادي غير، فهو موجز عن تاريخ الفنان مع حرفة الفن، وموجز تاريخ سمير سلامة، الممتد نصف قرن وفوقها نصف عقد، قد لا تكفيها ولا تفيها حقها ـ حقه جدران أربع صالات في رام الله، بيت لحم، والقدس، ولا حتى كتاب ضخم عن أعماله وحياته، وليس "كتالوغ" معرض موسمي في مكان واحد.

قلّما يجمع فنان موهبة رسم الوجوه (بورتريه) إلى رسم لوحة، كما قلّما يجتمع فيه فن البورتريه واللوحة، والموهبتان مع ثالثة هي تشكيل فني مجسّم لا يعلّق على الجدران، بل تحمله طاولات، كما في معرض الفنان في العام 2000 (مائة شهيد؛ مائة حياة) مطلع الانتفاضة الثانية بالتعاون مع السيدة عادلة العايدي.

فما بالك، إن كانت لوحات سمير مغمّسة ريشتها بألوان شتى: زيتية، اكليريك.. ومائية بخاصة. بلون واحد: الأسود، أو بلون ملوّن واحد، إلى بحر من الألوان في لوحاته عن المكان الطبيعي الفلسطيني والمدني العربي.

اختار سمير لغلاف كتاب "السيرة ـ المسيرة" لوحة تجريدية، لماذا؟ يقول: "أن تكون فنان تجريد أفضل من أن تكون أي فنان ملتزم سيئ".

صحيح، كما يقول إن "وطن الفنان لوحته"، لكن الوطن قد يكون ملصقاً سياسياً ـ فنياً، أو معرضاً تشكيلياً مجسّماً (مائة شهيد، مائة حياة)، أو رسم حارات المدن الفلسطينية والطبيعة الفلسطينية على جانبي "الخط الأخضر".

سمير، الفنان الموهوب في البورتريه واللوحة والتشكيل، متعدد المواهب كإنسان. مثلاً حوّل، وحده وبيديه، كوخاً آيلاً للسقوط ومهجوراً في عمق الريف الفرنسي الجنوبي، إلى بيت سكني، بعدما كان "خرابة"، وكفلّاح انتزع من الغابة المحيطة حاكورة أشجار مثمرة، وعمل "مساكب" من خضراوات يغذّيها بسماد طبيعي من مخلّفات مطبخ بيته، ومن أفنان وفروع وجذور أشجار الغابة الذابلة مؤونة الصيف لموقدة الشتاء

كفلسطيني صفدي المولد ضربته النكبة بين الوعيين الغريزي والمكتسب (3-4 سنوات) وشرّدته إلى المنافي، هو كفلسطيني لما اكتسب الجنسية الفرنسية، اجترح سابقة، قبل أوسلو: مكان الميلاد: صفد ـ فلسطين ـ 1944، أي سنة ميلادي مع "فراطة" أيام شهر.

مرّة واحدة زار البلاد، قبل احتلال 1967 مندسّاً بوفد طلابي سوري، ومرّات طيلة 12 عاماً ما بعد أوسلو يقيم في البلاد كفلسطيني ـ أجنبي وفي فرنسا كمواطن فرنسي.

المرّة قبل الأخيرة كانت في تشرين الثاني من العام الماضي. زهاء عشرين فناناً اجتمعوا في بيت على وليمة، وتبادلوا حديثاً هاتفياً طويلاً مع الفنان المقدسي فلاديمير تماري في منفاه الياباني، وقبل رحيله بعد مرض طويل.

افتتاح معرضه الاستعادي كان مشحوناً. كان حاضراً جلوساً على مقعد متحرك وفي فتحتي خيشومه أنبوبا أكسجين. قال كما قال درويش: "هزمتك يا موت الفنون جميعها".. وأضاف: لكن القدر هو الأقوى، الفنون أبقى من الموت، لكن الموت أبقى من الفنان.

الإنسان كون صغير، ولنجوم الكون أعمارها المقدّرة كما عمر الإنسان، وفي شيخوختها، قبل الانطفاء، تتوهّج إلى "مستعرّ أعظم". سمير توهّجت لوحاته في أعوام مرضه الوبيل، فأنجز العام الماضي 40 لوحة منها أربع فقط في كتاب حياته "السيرة ـ المسيرة" بمعرض صالة "غاليري وان" الافتتاحي، وسواها في معارض بالتوالي ـ والتزامن يوماً بعد يوم.

في تقليبي كتاب حياته عَدَدت ما ينوف على 30 لوحة أنجزها في توهّج تقدم مرضه: "وجودي سيتواصل عَبر أعمالي.. وهذا ما يهمّني".

لديّ اجتهاد في تصميم سمير وتركيزه على لوحة التجريد، وهو أن بلدة معلولا السورية وبيوتها الملونة والمعلقة أسفل جرف صخري، هي المدرسة التطبيقية للفنانين السوريين في دراساتهم الأكاديمية.

رسم سمير معلولا من خطّ النظر الأرضي، ثم رسمها كما لو يراها من علٍ، كما تبدو حقول الأرض وبيوتها من طائرة.

هل ستتوهّج الألوان في لوحاته العام المقبل، أم أن "الاستعادي" هو تحية وتلويحة الوداع، وانطفاء رحلة نصف قرن ونصف عقد من السنوات؟

انظروا إلى صوره الفوتوغرافية، وتفهمون لماذا كنت أداعبه أن يلعب دور ارنست همنغواي في فيلم سينمائي. "الفلسطيني والمنفى" بدلاً من "الشيخ والبحر".

تعلّمت من سمير فن إيقاد موقدة الحطب في بيته الريفي الفرنسي، دون قطعة شمع أبيض، ولم أتعلم منه صنع برطمانات المربّى من ثمار أشجار حاكورته، وأرسل إليّ صوراً لثلاث شتلات أشجار مثمرة زرعتها كبرت، وصارت تطرح ثمراً.. ومربّى!

يا صديقي، الذي أناديه "سميري" في رحيق العمر بقية من توهّج فنان هو أشبه "مستعرّ أصغر" وكون صغير، وإنسان متعدد الموهبة في الفن، ومتعدد المواهب في الحياة. ليّن العريكة. قوي الإرادة، شديد المثابرة!

المصدر:جريدة الأيام

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سمير سلامة، سنوات المرض والتوهُّج سمير سلامة، سنوات المرض والتوهُّج



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 05:53 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تخريب نجمة جينيفر لوبيز الموجودة في هوليوود

GMT 13:14 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

عرض الأزياء الذكورية الجريئة خلال أسبوع الموضة في لندن

GMT 10:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

بورش 959 الأسطورية تبهر الحضور في معرض "غلف كونكورس"

GMT 06:12 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبيجيل أهيرن تتجه إلى استخدام أسلوب "الجانب المظلم"

GMT 06:17 2014 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

سحلية تهاجم رضيعة ذات الـ8 أشهر في ماليزيا

GMT 11:20 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

صفاء سلطان تُذبح و"الانستغرام" يحذف الفيديو

GMT 09:52 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جاغوار تطلق السيارة الأسرع في تاريخها Jaguar F-type

GMT 04:41 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

عبير الأنصاري تؤكد أن صبا مبارك الأفضل

GMT 12:13 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

هكذا تختار البدلة الرسمية على طريقة عمرو يوسف

GMT 10:29 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض محرز يتجاهل المنافسة مع محمد صلاح

GMT 21:38 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يُهدي كأس السوبر للرئيس السيسي

GMT 10:09 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

أعراض احذر تجاهلها تدل على انسداد شرايين القلب

GMT 16:46 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

إعلامية تُزوّج عروسين مدنيًا على شاطئ مدينة صور
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
Pearl Bldg.4th floor
4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh
Beirut- Lebanon
iraq, iraq, iraq