كان لجواد القلم ما قبل الأخير

كان لجواد القلم ما قبل الأخير

كان لجواد القلم ما قبل الأخير

 العراق اليوم -

كان لجواد القلم ما قبل الأخير

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

كان يصغرني بعقد من السنوات (أو كنت، بالأحرى، أكبُره بعقد من السنوات).

قبل عام واحد رثيت رئيس التحرير الثالث لـ «فلسطين الثورة»، أحمد عبد الرحمن: «كان لأحمد اصبع الإبهام..» في المجلة المركزية لمنظمة التحرير. عن مرض، أو عن كمد، أخذته «يد المنون» وكان يكبُرني بعامين.
.. عن مرض طويل احتجب قلم آخر مواظب من أقلام المجلة، هو حسين حجازي عن مقالته الأسبوعية في صفحة «آراء الأيام».
عن تعب أو ملل، احتجب قلم ثالث عن زاويته الأسبوعية في «دفاتر الأيام»، هو الزميل توفيق وصفي، وانصرف إلى روايته الأولى ثم الثانية.
كانت حصة «الأيام» من أقلام هيئة تحرير المجلة المركزية ثلاثة.. وبقي صاحب «أطراف النهار» كما قال شاعر قديم: «بقيت مثل السيف فرداً»، بعد أن غاب قلم الزميل جواد البشيتي، الوحيد من هيئة التحرير القبرصية، الذي لم يصبح قلماً رابعاً في جريدة «الأيام». لماذا؟
رفضت إسرائيل أن تشمله بالعودة، هل لأنه كان مقدسياً؟ أم لأنه كان الفدائي الأصغر لمّا كان له من العمر (14 سنة)، بذريعة «الدم على الأيدي».
في ذلك الهجوم، بالقنابل اليدوية الدفاعية، على فندق «الامباسدور» استشهد زميله الشبل، رياض جبر، وأصيب هو بجروح.
حبسته إسرائيل، ثم نفته مع عائلته إلى الأردن، ثم دعاه جمال عبد الناصر إلى زيارة لبلاده. أهداه مسدّسه، وكرّمته مجلة «المصوّر» بغلاف مع ناصر، ومجلة «آخر ساعة» نشرت صورته على غلاف كامل.
قال ناصر للشبل جواد إنه سيعدّه قائداً فدائياً، فقال الشبل: أنتم دولة ونظام حكم، ونحن ثورة شعبية، وأريد العودة إلى رفاقي في الأغوار. في عقد سنوات عمره الثاني جاءنا إلى بيروت، وإلى «فلسطين الثورة» محرِّراً في المجلة وفي الجريدة.
كنت سكرتير التحرير، وكان محرِّراً مبتدئاً، قلت له: لا تضع ظرف الزمان بعد جملة الصفة والموصوف والمنصوب، بل بعد الفعل (صرّح وقال مثلاً) .. احتدّ ورفض.
لو قرأتم كتاباً عن الحرب الأهلية اللبنانية للشاعر والصحافي في هيئة التحرير الدكتور عز الدين المناصرة، المعنون: «عشاق الرمل والمتاريس»، لعرفتم أن أسرة التحرير فقدت، تباعاً، سكرتير تحريرها، السوري طلال رحمة، ثم مدير تحريرها، الفلسطيني رشاد عبد الحافظ، ثم نائب رئيس تحريرها العراقي، عادل وصفي. عاش جواد تلك المرحلة، وعاش معنا خروج بيروت، ثم عاش معنا المرحلة القبرصية في الإصدار الثاني للمجلة المركزية طيلة 13 عاماً، لكنه عاش وحده تجربة مع بعض زملائه: ذهب بدعوة «الكومسول» إلى موسكو، فوجد أن الاتحاد السوفياتي ليس هو تماماً «وطن لينين». اقترف «هفوة» في حق احترام تمثاله، فأبعد وزملاؤه. وبقي جواد ماركسياً.
كمحرِّر في مرحلة نيقوسيا، شرب مني، كمدير التحرير، مقلباً غير مقصود، إذ وضعت عنوانا مشاكسا لمقالة له عن الأردن فخسر صلاحية جواز سفره الأردني. غادرنا نيقوسيا إلى عمّان، ومنها عبرنا الجسر، وبقي وحده مع سليم بركات إلى أن غفرت الأردن له، فعاد ليصير مدير تحرير «العرب اليوم».
نضج الشبل الفدائي والمحرِّر المبتدئ، وصار علماً صحافياً، كانت تعيد جريدة «الأيام» نشر بعض مقالاته، وهو يعيد بانتظام نشر عمودي، بقي التزامه بفلسطين راسخاً كالطود، وزاد التزامه بالماركسية، وتعمّقت مقالاته إلى العلوم: من المجرّة إلى الخليّة، إلى دور الاقتصاد السياسي في الإمبريالية الأميركية، ودور الشركات الاحتكارية الكبرى في الهيمنة الاقتصادية ـ السياسية.
كان قلمه يستطيع أن يلوم أوسلو، لكنه لم يفعل. كان يستطيع أن يذمّ السلطة الأوسلوية، لكنه لم يفعل كما فعل سواه. بقي ملتزماً بفلسطين، ومعادياً لإسرائيل، ومعارضاً للنظام العربي، وأبداً لم يندم على حمله السلاح شبلاً، وأبداً لم يتوقف قلمه عن الكتابة.. إلى أن نالته «يد المنون» المسماة هذه «الكورونا».
حزين لغيابه حزناً خاصاً حامضاً، وحزناً كاوياً، لأنه مات قبلي، وكان آخر أقلام «فلسطين الثورة» الذين واظبت أقلامهم على هذه «المهمة» قبل خروج بيروت، والتي صارت «مهنة» بعد أوسلو، لكن الالتزام بالقضية الوطنية بقي كما هو!
كان جواد يصغرني بعقد من السنوات، وبعد غيابه قلماً، وذكراه لا تغيب، بقيت بعده كما قال شاعر «بقيت مثل السيف فرداً». لو مت قبله ربما رثاني في مقال؛ وها أنا أرثيه في مقال.
كانت «فلسطين الثورة» مدرسة صحافية، كما يقول رئيس تحرير «الأيام» الذي انتقى بعض أبرز أقلامها وأقلام مجلات الفصائل، خاصة في سنوات صدورها الأولى.
لم يكن جواد صديقي الشخصي تماماً، لكن كان أحد أركان أقلام المراحل الفلسطينية، وركناً أساسياً من أركان الصحيفة المركزية. صار مدير تحرير، وأنا عدت من إدارة تحرير المجلة إلى كاتب مقال في الجريدة اليومية.
طُويت صفحة المجلة المركزية؛ وطُويت أقلام وأعمار محرِّريها.
«هل غادر الشعراء من متردّم» نعم بعد السيّاب
«هل تعب الرثاء من الرثاء».. كلّا، وعذراً محمود درويش

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كان لجواد القلم ما قبل الأخير كان لجواد القلم ما قبل الأخير



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 17:53 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

بيومى فؤاد مخرج إعلانات فى فيلم "رغدة متوحشة"

GMT 08:50 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

حالة الطقس المتوقعة في المملكة السعودية الأربعاء

GMT 07:21 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة ترتدي الحجاب لمدة أسبوع لتكشف عن عنصرية البريطانيين

GMT 00:47 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عبد الله السعيد يؤكد أن جميع اللاعبين سواسية في "الأهلي"

GMT 01:13 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

الراقصة سما المصري تتعرى لتكشف عن "تاتو" جديد

GMT 01:11 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

عائشة بن أحمد تستعدّ لتقديم عمل درامي تونسي ضخم قريبًا

GMT 22:34 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

إليكِ أشهر وجهات السفر العالمية للاستمتاع بـ"ركوب الخيل"

GMT 23:06 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

كشجرة تستدل بالضوء لعادل سعد يوسف في سلسلة الإبداع العربي

GMT 19:47 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

الأحذية الرياضية تسيطر علي صيحات الموضة في 2019

GMT 18:34 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

طرح "قصة حب" في دور العرض السينمائية 14 شُباط المُقبل

GMT 06:05 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

"أقراط الشفاه" أحدث صيحة في عالم الإكسسوار في 2019

GMT 14:49 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

كاديلاك XT4 رائعة وليست نسخة مُصغّرة مِن إسكاليد

GMT 05:41 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خطوات مهمة يجب عليكِ اتباعها في تنظيف الزجاج والمرايا

GMT 22:58 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

مايا رعيدي تفوز بلقب ملكة جمال لبنان لعام ٢٠١٨
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq