موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر!

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر!

 العراق اليوم -

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

سيذكّرك عشرون أديباً، ومائة مثقف.. إن كنتَ نسيتَ اسم مؤلف «موت عامل متجول».. وعليك أن تنسى المؤلف والرواية وقراءها أيضاً؟!

في يوم من هذا الأسبوع، مات عامل بسيط (في الأصل)، وعتال غير بسيط (في رواية الحصار).

كل العابرين - على لأي وعلى عجل - لممر سردا يعرفون العامل - العتال جمال.. من بيرزيت.

يقول الكل، من عارفيه أصلاً، ومن تعرفوا عليه بين حاجز وحاجز، إنه طيب القلب، طيبة مفرطة، أو إنه بسيط العقل.. فمن غيره، وقلة ممن تقطعت بهم سبل رزق عيالهم، يمارسون نقل قوت الناس، على عربات بائع متجول؛ بائع يستلّ رزق عياله من صراخ الجنود على «المتسللين»؛ وصراخ المنتظرين على الجنود .. وصراخ الجميع على عمال النقل!

في أيام بعينها تغدو المسافة بين حاجزين كأنها «حقل ألغام». لا تنفجر بين أقدام المتسللين تحت عيون الجنود المتربصة أو بخداعها، بل رصاصات «طائشة» لأنها قد تصيب مقتلاً مقصوداً، وقد تصيب مقتلاً غير مقصود.

هل طلقة في الجبين، بين العينين بالضبط، هي «طلقة طائشة» نقلت العامل - العتال جمال من دفع عربته، ذات العجلات المطاطية، بقوة قدميه (يعرج على إحداهما) إلى الموت؟!على سرير ما، في غرفة ما، من مستشفى رام الله يرقد العامل - العتال جمال على سرير «الموت السريري». عامل في الثلاثين ترك ثلاثة من عياله بلا معيل.

يقول الأطباء (تباً للأطباء) ان لا تنام على قهر، ولا تغالب نوم التعب.

يقول أطباء الحرب أيضا، لا تجعل جريح الحرب ينام قبل أن يسترد ما فقده من دم نازف.

قد ينسيك القهر فضيلة الصبر، فكيف لا ينسيك الجنود نصيحة الطبيب؟

الثامنة مساءً، يوم السبت، أخذتني «سنة من نوم» القهر، بعد أن استنزف الحاجز ذخيرة الصبر كلها: نوم منقطع تسلمك صحوته إلى نوم اكثر تقطعاً.. ربما لأن الساعة البيولوجية لا تعترف بنوم القهر في الثامنة مساء.. لرجل كهل يراود السهر حتى الفجر.

حشد من الناس، مئات منهم، يراوغون صبر الجنود تحت خوذاتهم. مجنزرة وعربة جيب والجنود يلجمون حركة الناس بمدفع رشاش.. عبثاً. ببنادق وأصابع على الزناد.. عبثاً. بقبضة تلوح بقنبلة صوتية.. عبثاً، وأخيراً بمطر من قنابل الغاز .. تبعثر الجمهور شذر مذر!

لعبة خطرة بين «سد» ركيك من الحديد والجنود، وضغط شديد من الجمهور.. وأخيراً، يفتح الجنود ثغرة بسيطة.. ثم يغلقون موجة العبور الثانية بمطر من قنابل الغاز.

العروس الشابة تنتظر، و»الزفة» تنتظر معها. ومعهم تنتظر باقات ورد في أيديهم. الأم التي تحمل طفلا بذراع وتمسك بيدِ طفل آخر. تنتظر. المريض الذي يلوح لجنود المجنزرة بصور اشعة X ليعطوه إذن المرور... أيضاً، العجوز الشجاع، والمثقف الذي يجادل الجنود بالإنكليزية، بالعبرية، وبالروسية. وبالبلغارية أيضا... وعلى الخصوص عمال نقال المتاع، الخضراوات، الزجاج أيضا، وحتى حديد حمايات النوافذ. هؤلاء اكتسبوا نوعا من “حق العبور”.. إلى أن صادرته منهم رصاصة بين عيني العتال جمال.

«الجيران» مسلسل تلفازي أسترالي كوميدي. أما الجيران في مسلسل عبور الحاجز، فأمر آخر يتراوح بين الميلودراما والتراجيديا.

الجار الذي يمنعونه عن مصلحته اليومية في «الحسبة»، ويسمحون لولده اليافع. انه يلعب «الشدة» مع الجيران، ويتابع توجيه النصائح «البلفونية» إلى ولده. قد يرسب الولد في امتحاناته بين إدارة مصلحة أبيه وبين استذكار دروسه.

الجار الشاب، الذي ينتظر مولودا ذكراً ثانيا بعد مولودته الأنثى.. ولا يثق بجنود الحاجز إذا جاء المخاض امرأته، تقيم الزوجة لدى ذويها، ويجازف الزوج، مرة في الأسبوع - خاصة يوم الجمعة - بزيارتها.. إنه يلعب «الشدة» مع جاره، ويرد على ثغاء ابنته على الهاتف : «تعال يا بابا».

الجار الشاب الآخر، الذي لم يدفع إيجار شقته (لأن الرواتب تأخرت إلى الغاية)، اضطر لإرسال زوجته وولديه الطفلين إلى قرية والده.

الجار الطبيب الذي نقل بيته من المدينة إلى القرية هربا من الحرب، ثم نقل بيته من القرية إلى المدينة هربا من مشقات عبور الحاجز.

الجيران من طلاب جامعة بيرزيت، الذين لا يعبرون الحاجز، ولكن لا ينقطع سؤالهم عن أهلهم المحاصرين في جنين، أو سؤال أهلهم عن حالهم في الحصار.

يقول أحد الجيران: كم انقلبت الآية؟ كنا، في الانتفاضة الأولى، الذين نغلق الطرق أمام الجنود بالحجارة .. وكان الجنود يحاولون فتحها.

العائلة الفلسطينية هي الخلية الأكثر صلابة في هذا الشعب. لكن، في هذا الحصار صارت الخلية الأكثر مرونة .. والأكثر تفككاً.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر



GMT 20:24 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 22:43 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

المنسي في وادي الملوك

GMT 10:32 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

تكاملُ اللامركزيّةِ والتدويل في لبنان

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 00:11 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

إدارة ترامب تعلن قتل الطيور المهاجرة ليس جريمة

GMT 18:58 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

عقد قران ابنة الحبيب علي الجفري بمهر 5 أوقيات فضة

GMT 22:38 2016 الجمعة ,03 حزيران / يونيو

تعليم الصلاة للأطفال مسؤولية الأمهات

GMT 13:27 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

سيدات تحرضن على ممارسة الرذيلة في الهرم

GMT 18:03 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات جريئة للفنانة مي سليم تلفت الأنظار إليها

GMT 10:49 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

بطولة اللاجئين

GMT 22:00 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفضل وجهات المغامرة لمحبي المغامرة والتجديد

GMT 20:26 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

السجن المؤبد على سوري قتل طليقته ببث مباشر على "فيسبوك"

GMT 12:08 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

وفاة "حسني مبارك" تتصدر "تويتر" في السعودية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq