عن «تحقيقٍ» لا يقدم ولا يؤخر

عن «تحقيقٍ» لا يقدم ولا يؤخر

عن «تحقيقٍ» لا يقدم ولا يؤخر

 العراق اليوم -

عن «تحقيقٍ» لا يقدم ولا يؤخر

بقلم :عريب الرنتاوي

من المقرر أن ينهي خبراء منظمة منع انتشار الأسلحة الكيماوية مهمتهم في بلدة دوما غداً ... لا أحد يحبس أنفاسه بانتظار النتائج ... كان يمكن لمهمة البحث أن تحظى بكل التركيز والانتباه، لو أن قرار شن «العدوان الثلاثي» ارتبط بنتائج تحقيقاتها، لكن الضربة وقعت، ونتائج التحقيق لم تعد مهمة في شيء، سوى تزويد أطراف الصراع في سوريا وحولها، بمزيد من الذخائر لاستخدامها في حروب الاتهامات والاتهامات المضادة المشتعلة بضراوة، قبل وبعد «كيماوي دوما»، وقبل وبعد «العدوان الثلاثي» على سوريا.

إن خرجت البعثة بتقرير يؤكد روايتي دمشق وموسكو، القائلة بأن هجوماً كيماوياً لم يقع في هذه المنطقة، ستدّعي لندن وباريس وواشنطن، بأن الأسد في دمشق و»القيصر» في موسكو، عبثا بـ «مسرح الجريمة»، وجرّفا كافة الدلائل والبراهين والشواهد الدالة على وقوع الهجوم الكيماوي ... وإن أكدت البعثة أن هجوماً قد وقع، ونجحت في تشخيص نوعية الغاز المستخدم، سيُتهم الفريق الدولي، بأنه عميل لأجهزة استخبارية معروفة، وأن عمله كان موجهاً عن بعد، للوصول إلى هذه النتيجة، فما قيمة أي تحقيق إذا، إن كانت نتائجه ستكون عرضة للطعن والتشكيك سلفاً، وسبباً في مزيد من الانقسام؟ ... وما قيمته إن كان «العقاب على الجريمة» قد وقع قبل عرض القضية على القضاء والتحكيم، وقبل التأكد من سلامة الأدلة وصدقية المصادر والمعلومات بشأنها؟

هذا على الصعيد الدولي، أما على الصعيد العربي، الرسمي والشعبي، فإن الحال لن يختلف كثيراً، سيصدق كل فريق ما يريد تصديقه من الروايات، وسيدحض ما يعاند اعتقاداته ... فخصوم النظام في عواصم المحور المقابل، لن تقنعهم أية نتيجة، وسيواصلون الاحتفاء بالعدوان الثلاثي، ويطالبون بالمزيد من الضربات الماحقة ... هؤلاء، لم تخف فرحتهم بالصواريخ المائة، رغبتهم في رؤية المزيد منها، تتساقط على دمشق وغيرها.

في المقابل، سيواصل أنصار النظام، وبالذات من يساريين وقوميين، دعمهم غير المشروط له، حتى وإن تأكد استخدامه للكيماوي ... سيواصلون الرقص في الشوارع، رافعين الرايات الثلاث: السورية والإيرانية والروسية، وأحياناً رايات حزب الله الصفراء، وربما يدخل العلم التركي قريباً إلى هذه الحزمة من الرايات، ولن يتردد هؤلاء في ترديد الشعار الذائع في شوارع دمشق والمدن السورية: «الله... سوريا ... بشار وبس».

لا قيمة للحقيقة هناك، فالحقيقة فقط، هي ما ينسجم مع آرائنا وانحيازاتنا، في زمن الاستقطاب الشديد، حيث لا مطرح لصوت العقل ولا مكان لأية منظومات أخلاقية أو قيمية ... ودائماً هناك تبريرات «صلبة» لدعم المعتدي والمعتدى عليه، بل أن العرب، مسؤولين ومواطنين، منقسمون على أنفسهم في تعريف المعتدي والمعتدى عليه، وتحديد هوية كل منهما.

يتعذر أن لم نقل يستحيل أن تجد من هو ضد العدوان الثلاثي، ولا يرقص في الشوارع دعماً للنظام في دمشق، أو للقيصر في روسيا أو للولي الفقيه في طهران، فهذه مهمة شبه مستحيلة... ومن النادر أن تجد مناهضاً للنظام وحلفائه، رافضاً في الوقت ذاته، للعدوان الخارجي، ولا يستعجل التدخل الإسرائيلي، ولا يرى في النصرة، وحتى داعش و»أخواتهما»، مشروع حليف في حربه المقدسة ضد «الآخر»، فهذه عملة نادرة... إنها لحظة الطلاق البائن بينونة كبرى مع العقل والمنطق والضمير، أنها لحظة الإشهار الرسمي عن موت الشعور الوطني/القومي/ الإنساني ... إنها لحظة تفشي المعايير المزدوجة، والكيل بأكثر من مكيال ... فأنت ديمقراطي في عمان، وتدعم الديكتاتورية في دمشق، وأنت «مقاوم» في فلسطين، وتستمطر شآبيب الغضب القادم على أجنحة صواريخ «الناتو»، وأنت مفكر قومي أو كبير علماء المسلمين في الدوحة، ولا تجد غضاضة في الرقص على أنغام الطائرات والصواريخ الأمريكية المنهمرة على دمشق ... إنها لحظة اختلاط المواقف وبيع الضمائر وارتفاع حمى «العرض والطلب» في سوق النخاسة السياسي والفكري والثقافي.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «تحقيقٍ» لا يقدم ولا يؤخر عن «تحقيقٍ» لا يقدم ولا يؤخر



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 05:53 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تخريب نجمة جينيفر لوبيز الموجودة في هوليوود

GMT 13:14 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

عرض الأزياء الذكورية الجريئة خلال أسبوع الموضة في لندن

GMT 10:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

بورش 959 الأسطورية تبهر الحضور في معرض "غلف كونكورس"

GMT 06:12 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبيجيل أهيرن تتجه إلى استخدام أسلوب "الجانب المظلم"

GMT 06:17 2014 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

سحلية تهاجم رضيعة ذات الـ8 أشهر في ماليزيا

GMT 11:20 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

صفاء سلطان تُذبح و"الانستغرام" يحذف الفيديو

GMT 09:52 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جاغوار تطلق السيارة الأسرع في تاريخها Jaguar F-type

GMT 04:41 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

عبير الأنصاري تؤكد أن صبا مبارك الأفضل

GMT 12:13 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

هكذا تختار البدلة الرسمية على طريقة عمرو يوسف

GMT 10:29 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض محرز يتجاهل المنافسة مع محمد صلاح

GMT 21:38 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يُهدي كأس السوبر للرئيس السيسي

GMT 10:09 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

أعراض احذر تجاهلها تدل على انسداد شرايين القلب

GMT 16:46 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

إعلامية تُزوّج عروسين مدنيًا على شاطئ مدينة صور
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
Pearl Bldg.4th floor
4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh
Beirut- Lebanon
iraq, iraq, iraq