دعا نائب رئيس مجلس النواب العراقي بشير خليل الحداد، القادة السياسيين ورؤساء الكتل والأحزاب الوطنية إلى التعاون مع رئيس الجمهورية لحسم مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء وفق معطيات المرحلة الحالية واستمرار المظاهرات الشعبية في بغداد وعدد من المحافظات.
وأشار الحداد في بيان السبت، إلى ضرورة أن ينال المرشح رضا وقبول الجماهير وعلى أساس الاتفاق السياسي وبما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للبلاد لا سيما ونحن نمر اليوم بمرحلة مفصيلة وأزمة سياسية.
وقال أيضا إن "خطاب رئيس الجمهورية إلى رئاسة مجلس النواب هو بيان موقف وليس طلبا رسمياً للاستقالة، وما ذكره فخامته في رسالته هو تفسير لما جرى من ضغوط واستعداده لتقديم الاستقالة بسبب ما حصل من خناق سياسي وعدم الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء، وهي أزمة حقيقية معقدة في المشهد السياسي".
ودعا الحداد "الجميع إلى تغليب المنطق ولغة العقل والحكمة لتجنيب البلاد مزيداً من المآسي والمشاكل، وفي حال إذا قدم رئيس الجمهورية طلباً تحريرياً صريحاً للاستقالة عند ذاك سيتم التعامل مع الطلب بحسب المادة (75) من الدستور العراقي".
وأعلن رئيس الجمهورية، الخميس، عن استعداده لوضع استقالته أمام أعضاء مجلس النواب، بينما قدم اعتذاره عن تكليف مرشح كتلة البناء (أسعد العيداني) لرئاسة الحكومة المقبلة.
ودعت كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في وقت سابق من اليوم الكتل الأخرى إلى تفهم موقف رئيس الجمهورية برهم أحمد صالح جراء الضغوطات المستمرة التي يتعرض لها، والتي دفعته إلى استعداده لتقديم استقالة من منصبه جراء قضية الكتلة الأكبر التي يتمخض عنها اختيار مرشح لشغل منصب رئيس مجلس الوزراء خلفا للمستقيل عادل عبد المهدي.
وانتقد الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي موقف رئيس الجمهورية برهم صالح إزاء رفضه تكليف مرشح البناء لمنصب رئيس مجلس الوزراء للحكومة المقبلة، داعيا ألى استقالته أو إقالته من قبل الكتل السياسية.
وأعلنت المرجعية العليا وعلى غير عادتها في بيان نشر الخميس: "لن تكون للمرجعية الدينية في يوم الجمعة الماضي خطبةٌ تتناول الشأن السياسي”، ليتبين في ما بعد أن صدى صمت المرجعية عن الشأن السياسي ليوم الجمعة كان أقوى بكثير من خطبها التي بدت كأن القوى السياسية لا تريد أن تسمعها! برغم غرقها في لجة البحث عن مخرج آمن للوضع السياسي من محنته الراهنة.
المشهد السياسي أصبح أكثر تعقيداً بعد "اعتذار" رئيس الجمهورية عن تكليف المرشح الثاني لكتلة البناء، وسط إصرارها على ترشيح من تراه مناسباً لتشكيل الحكومة باعتباره حقا دستوريا كونها الأكثر عددا طبقاً لرسالة مجلس النواب العراقي إلى رئيس الجمهورية، برغم أن هذا الإصرار يتجاهل رفضاً واسعاً من جهات سياسية مؤثرة وكذلك من قبل ساحات التظاهر والاعتصامات في مدن وسط وجنوب العراق بل وفي المقدمة منها ما تطالب به مرجعية النجف الأشرف، لقد كان العرف السياسي السائد في الماضي القريب يقضي بأن على الكتل السياسية أن تجتمع للتداول بشأن أبرز الشخصيات التي تراها مناسبة للمنصب ثم يتم عرض المرشح المتفق عليه مبدئياً على الجهات المعنية الداخلية والإقليمية والدولية، بهدف الحصول على مباركاتها، ليبدأ التفاوض حول تقاسم المناصب والمواقع التنفيذية، وبعد الاتفاق النهائي والأخير بين تلك الكتل يتم تمرير المرشح التوافقي داخل مجلس النواب ليحظى بموافقة الجميع دون اعتراضات تذكر.
لكن الغريب بالأمر هذه المرة أن القوى والكتل الفاعلة مصرة على ما يبدو على تغافل المتغيرات الواضحة والملموسة المحيطة بالمعادلة السياسية، والتي غيرت قواعد اللعبة وطرحت قوانينها الجديدة وإضافة لاعبين مؤثرين الى المشهد القائم منها:
استمرار ومواصلة التظاهر والاعتصام بوتائر متصاعدة ودخول المتظاهرين للمشهد السياسي بات جزءاً مهماً من المعادلة على نحو لايمكن تغافله.
استخدام القوة المفرطة واستمرار عمليات القتل والخطف والإخفاء القسري للناشطين المدنيين العزل وبحصيلة إجمالية بلغت نحو 520 شهيداً وأكثر من 20 ألف جريح بينهم 1900 معاق خلال 80 يوماً، بحسب المفوضية العليا لحقوق الأنسان في العراق، خلفت جواً سياسياً متوتراً وناقماً على مستوى الشارع والقابل للانفجار بين ساعة وآخرى.
انفراط العقد السياسي الذي تشكل بموجبه الحكومة الحالية وانسحاب بعض الكتل و الأحزاب عن الائتلافات السياسية المعلنة، وسط تصاعد حدة الخلافات حيال أسماء المرشحين لتشكيل الحكومة المرتقبة.
اشتداد الصراع بين إيران وأميركا هذه المرة على غير العادة، بعد أن كان التوافق بينهما سواء بالسر أو بالعلن يفضي إلى تمرير المرشح المتفق عليه في نهاية المطاف، ولعل العامل الأهم هو ضعف إمكانية الأحزاب المتنفذة بالخروج من التفكير التقليدي وافتقارها لإرادة الإقرار بالواقع الجديد إلى جانب التناقض الحاد في الرؤى والطروحات، فهي من جهة تتماهى مع تلبية شعارات التظاهر بقبول استقالة الحكومة وتمرير قانون انتخابي جديد واختيار مفوضية عليا مستقلة للانتخابات من القضاة، وتلبية مطالب المحتجين بالشروع بتوزيع قطع الأراضي السكنية وفتح أبواب التعيين بالجملة للعاطلين عن العمل والخريجين وغيرها من الإجراءات، ومن جهة أخرى يتغافلون عن عمد استمرار حركة التظاهر والاحتجاجات الشعبية عند اختيار وتسمية المرشح الجديد لتشكيل الحكومة طبقاً لمصالحها دون الالتفات إلى ما تنادي إليه المرجعية والشارع على حد سواء، بل تصر تلك الأحزاب على فرض مرشحها حتى وإن كان مرفوضاً من حراك دفع أرواحاً ودماءً على مدى قرابة الثلاثة أشهر ومازال! لذا فإن هذا التناقض في الموقف والسلوك سيفضي إلى نتائج كارثية دون الالتفات على ما سيحل بالبلاد.
لقد آن الأوان لقيادات البلد أن تفكر بشكل عميق ومسؤول، لأن الخطر على الأبواب وقد ينزلق العراق إلى منحدر التصادم ليحرق الأخضر واليابس، ويخطئ من يظن أنه معصوم من الحريق القادم حتى وإن كان يمتلك الرجال والسلاح والمال!
طرح عدد كبير من المفكرين والباحثين حلولاً جذرية للأزمة الحالية ومن الممكن تبني أحداها أو بعضها للخروج بخارطة طريق واحدة تضع البلد على المسار الصحيح، لقد مرر مجلس النواب قانونين مهمين، قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وقانون الانتخابات النيابية وكلاهما ضروريان للمرحلة القادمة، ولا بد للقوى السياسية أن تجتمع للتوافق على مرشح يحصل على موافقة الأغلبية (وليس الكل) من الكتل السياسية ليتولى مسؤولية المرحلة القادمة. وهنا أود أن أذكر بما نشرته في مقال لي في ١٧-تشرين الثاني-٢٠١٩ تحت عنوان "المرجعية تناشد والسلطة تماطل، فهل فات الأوان؟".
قد يهمك ايضا
نائب كردي يستبعد أن يشهد العراق انتخابات برلمانية مبكرة
عادل عبد المهدي يرجع الإعلان عن رئيس الحكومة الجديدة خلال الساعات القليلة
أرسل تعليقك