الرقيب الفرنسي يشقّ الكفن

الرقيب الفرنسي يشقّ الكفن

الرقيب الفرنسي يشقّ الكفن

 العراق اليوم -

الرقيب الفرنسي يشقّ الكفن

بقلم : إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

داهمت الشرطة الفرنسية، قبل أيام، مقر دار النشر «غاليمار» في باريس للتفتيش. إن من المعتاد أن تجري مداهمة لشركات ومكاتب سياسيين ومصارف تلاحقها تحقيقات قضائية، أما «غاليمار» فإنها أعرق دور النشر الفرنسية. وقد اتخذت البلدية قراراً بإطلاق اسم مؤسسها، غاستون غاليمار، على الشارع الذي يقع فيه مقرها التاريخي. ما الذي يبحث عنه أفراد وحدة مكافحة العنف في موقع للإبداع والمعرفة والفكر الحر؟
المطلوب مخطوطة غير منشورة لغابرييل ماتزنيف. كاتب فرنسي تردد اسمه كثيراً في وسائل الإعلام طيلة الأسابيع الماضية. والسبب هو الحملة القائمة على المتحرشين بالنساء. فهذا الأديب الحائز عدة جوائز كبرى، لم يتحرج في مذكراته من الحديث عن ولعه بالصغيرات. لكن ما كان عادياً في نظر المجتمع قبل عقود من الزمن صار اليوم جريمة يعاقب عليها القانون. توصيفها العلمي «بيدوفيليا».
دأب ماتزنيف على نشر «دفاتره الحميمة» لكل مرحلة من مراحل حياته. وفي واحدة منها تحدث عن غرامياته الماضية وعلاقات أقامها مع طالبة في الثانوية، عمره أربعة أضعاف عمرها. لكن ناشره امتنع عن إصدار المذكرات التي تغطي الفترة بين 1989 و2006. ما الذي كان فيها، يا تُرى، لكي «يخدش حياء» الناشر الفرنسي؟ قال ماتزنيف، في مقابلة سابقة معه، إن تلك المخطوطة تنام في خزانة أنطوان غاليمار، الرئيس الحالي لدار النشر. وقد طلب منه ألا ينشرها إلا بعد وفاته. هل تجوز محاكمة مواطن على تهمة مكتوبة وغير منشورة؟
يبلغ الرجل من العمر الثالثة والثمانين. وليس من الوارد هنا مناقشة الفوارق بين الأدب وقلة الأدب. فالأخلاق أمور نسبية. وقد كانت الروايات الشهيرة، على مرّ التاريخ، مسارح للحروب والجرائم والعنف والعلاقات المحرمة والملتبسة. وهناك من يؤمن بأن الحياة السوية لا تصلح للدراما. لا بد من صراع بين خير وشر. لكن تعريفات الشر في أوائل القرن العشرين تختلف عنها في قرننا الذي بلغناه. نحن في زمن حملة «مي تو» وفضح المتحرشين. والناشطات النسويات في فرنسا يرفعن شعار: «افضحي خنزيرك». ولا مجال للأحكام المخففة. فالعلاقة مع قاصر هي اغتصاب حتى لو تمت بكامل رضاها. والعدالة تلاحق الكاتب بهذه التهمة. ومن الأدلة ضده كتاب جديد بعنوان «الرضا»، تتحدث فيه مؤلفته عن علاقة أقامها معها في سنوات مراهقتها.
تحوّل ماتزنيف بين ليلة وضحاها من أديب مرموق إلى كاتب ملعون. وكما يجري في الحملات السياسية، تم نبش التصريحات القديمة، وأعيد بث مقاطع من برنامج حلّ فيه ضيفاً على برنار بيفو، صاحب أشهر برنامج تلفزيوني يستعرض الكتب ويحاور مؤلفيها. ورغم أن الحلقة تعود لعشرين سنة خلت، فإن الشظايا أصابت بيفو. كيف أعطى الكلام لماتزنيف ولم يؤنبه ويضربه على يده بالمسطرة؟ دافع مقدم البرنامج عن نفسه بأن ذلك كان زمناً آخر. لكن الشظايا ازدادت وتعددت السهام. وقبل يومين استقال برنار بيفو من موقعه في لجنة تحكيم جائزة «غونكور» للرواية الفرنسية. وأعلن الناشر «غاليمار» وقف بيع سلسلة اليوميات التي ظل ينشرها للمؤلف طوال ثلاثين عاماً. نفض يديه منه وقال إنه صار مشكلة.
عاد الرقيب الفرنسي على المطبوعات يتحرك في قبره بعد أن ظنناه شبع موتاً. إنه يشق الكفن ويأمل في حياة جديدة ومستقبل زاهر. وأمام كل هذه العاصفة وقف الكاتب العجوز ليقول: «من هم هؤلاء ليحاكموا رجلاً مثلهم؟».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرقيب الفرنسي يشقّ الكفن الرقيب الفرنسي يشقّ الكفن



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:00 2017 السبت ,10 حزيران / يونيو

سمر مبروك تصمِّم أزياء الصيف بـ"موتيفات" هندية

GMT 23:28 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة كاندي كراش صودا للويندوز فون – Candy Crush Soda

GMT 07:00 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

للمحجبات الشابات مجموعة من الملابس الكاجوال لخريف 2017

GMT 01:51 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عطر Vanille Noire الجديد للشغوفات بالفانيليا المثيرة

GMT 13:43 2014 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الشيخ حمدان بن محمّد آل مكتوم سيشتري 6 سيارات برمائية

GMT 06:51 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

انجاب طفل وسيم يجعل الرجل اكثر وسامة في اعين النساء

GMT 01:56 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لقطات من التدمير الذي ألحقته "داعش" في مدينة تدمر السورية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq