نحن وإسرائيل ولبنان وهذه المقاطعة

نحن وإسرائيل ولبنان وهذه المقاطعة

نحن وإسرائيل ولبنان وهذه المقاطعة

 العراق اليوم -

نحن وإسرائيل ولبنان وهذه المقاطعة

بقلم ـ حازم صاغية

لنفترض أنّ طبيباً إسرائيليّاً، وصهيونيّاً أيضاً، اخترع دواء للسرطان. هل نشتريه أم نقاطعه؟

هذا الافتراض حالة قصوى، إلاّ أنّه يضيء على حالات دنيا، كما يضيء على مبدأ. إنّه يقول إنّ للحروب حدوداً وضوابط، وأن كوننا في «حالة حرب مع إسرائيل» لا يجيز كلّ شيء. إنّه لا يجيز الحرب المطلقة، الكاملة الشاملة. لو كان يجيزها، لجاز قتل أسرى الحروب.

القائلون بالحرب الشاملة، بالقطع الشامل... يقولون ضمناً بقتل أسرى الحروب. بهذا لا ننفي الأنسنة عن العدوّ، وهو ما يستنكره شعار غبيّ، بل نؤكّد التوحّش في الذات، ذاتنا.

موضوعة الحرب المطلقة التي بسببها تُمنع الأفلام في لبنان ويُشهَّر بفنّانين ومثقّفين، لها وجه آخر. فعدم التكافؤ كبير جدّاً بين حالة الحرب بسبب مزارع شبعا وبين المقاطعة الشاملة والحياتيّة، التي تمتدّ من الفيلم إلى دواء السرطان. أغلب الظنّ أنّ سكّان مزارع شبعا لا يريدون ذلك. إنّهم أكثر تواضعاً.

أمّا أن يكون النزاع على فلسطين الموضوع الموجب للحرب الشاملة، فهذا ما يستدعي استفتاء يُسأل فيه اللبنانيّون: هل تريدون حرباً شاملة نكون فيها «هانوي العرب»؟ أغلب الظنّ أنّ الذين سيقولون نعم لن يتجاوزوا الـ1 في المئة. حسن نصر الله لن يكون في عداد هؤلاء (إلاّ إذا كانت إيران في عدادهم). إنّه، من حيث المبدأ، مسؤول عن مصائر سكّانٍ لا يريد لهم أن يُهجَّروا ثانيةً وأن يُقتل أبناؤهم.

لا يقال هذا انتقاصاً من الحقّ الفلسطينيّ والتأييد السياسيّ والأخلاقيّ له. وبالطبع لا يقال حبّاً بإسرائيل. إنّه يقال كرهاً بالحرب وحبّاً بنا. إنّ جلود الإسرائيليّين أقسى كثيراً من عظامنا.
مسألة أخرى يثيرها هذا السلوك:

الباحث المصريّ شريف يونس، في اشتغاله على الانقلاب الناصريّ في 1952، تحدّث عن «إقامة فراغ سياسيّ يُسمّى الشعب»، حيث النظام «الشعبيّ» «حالة طوارئ» دائمة. هذا الفراغ الذي يطرد من الفضاء العامّ الأحزاب والنقابات والآراء الأخرى، ويمسك بعنق الجامعة والصحافة، هو شرط قيام الديكتاتوريّة الشارط.

نحن في لبنان لسنا في هذا الوارد، لأنّ التوازنات الطائفيّة أعفتنا من الانقلاب العسكريّ وديكتاتوريّته. لكنّ شيئاً مصغّراً من هذا يحصل في المحيط الثقافيّ. إنّه التطهير والتفريغ. مُقلقٌ مثلاً حكم المحكمة العسكريّة الجائر على الزميلة حنين غدّار، أو «التجسّس» الغامض المنسوب إلى الممثّل المسرحيّ زياد عيتاني. أكثر إقلاقاً أنّ مجموعة عيّنت نفسها ضبّاطاً أحراراً أو مجلساً لقيادة الثورة، تريد أن تفرض وصايتها على السينما والمسرح والكتاب والأغنية: هذا زار إسرائيل. ذاك غنّى في إسرائيل. ذلك تبرّع لإسرائيل.

المقاطعة، بالتأكيد، جزء من حرّيّة الرأي وحرّيّة التعبير. لكنّها لا تُفرض فرضاً على الآخرين. ولا تُفرض عبر تحريض الأجهزة الأمنيّة لأنّها تغدو سياسة جهازيّة وأمنيّة بحتة. وحتّى لو وضعنا جانباً الأكلاف الاقتصاديّة الباهظة لهذه المقاطعة، فإنّ ما يضاعف القلق أنّ المتحمّسين لها متحمّسون أيضاً للأنظمة الجهازيّة والأمنيّة في الجوار. نماذجهم المقترحة لا تطمئن.
إنّ ديكتاتوريّة الفكرة كما يمارسها ضبّاط أحرار سكب الله في رؤوسهم الحقيقة والصواب هي أسوأ ما يمكن أن يحصل لهذا البلد. إنّها أسوأ من الاحتلال لأنّها تفوقه تفريغاً لتعدّد المجتمع ولكثرة أفكاره وأمزجته.

وهذا البلد لا يستمدّ معناه، أو ما تبقّى منه، من أنّ «تنظيماً ناصريّاً» تأسّس فيه، أو من أنّ أبو جهاد وجورج حبش وغسّان كنفاني أقاموا فيه. إنّ معناه مستمدّ ممّا يتيحه من حرّيّة وتعدّد ليسا متاحين في المنطقة كلّها.

والكلام أعلاه لا يمتّ بصلة إلى «لبنان أوّلاً». فهذه الـ «أوّلاً» هي دائماً، وفي كلّ بلدانها، شوفينيّة وسخيفة. لكنّه يندرج في «الحرّيّة أوّلاً» و «السينما أوّلاً». الحرّيّة والسينما تعيشان بلا أوطان ولا وطنيّة. الأوطان والوطنيّة من دونهما لا تعيش.

في 1921 تأسّست جمعيّة ونادي «القلم» في لندن دفاعاً عن حرّيّة التعبير. شعارها الأبرز كان: «الأدب لا يعرف حدوداً». أوّل بلد انسحب من الجمعيّة كان ألمانيا النازيّة. حصل ذلك بعد أشهر على الوصول إلى السلطة في 1933. مبدأ النازيّين يقول إنّ للأدب، وللسينما وللحرّيّة، حدوداً. سنبقى نقول لا.

المصدر ـ جريدة الحياة

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن وإسرائيل ولبنان وهذه المقاطعة نحن وإسرائيل ولبنان وهذه المقاطعة



GMT 23:42 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

مخاوف مشروعة

GMT 23:40 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

يهودي من الإسكندرية

GMT 20:45 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

يوم جديد..يوم سعيد

GMT 20:03 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

سوريا وإسرائيل...بين بايدن وبوتين

GMT 13:42 2020 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«جَردة حساب».. ثانية!

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 17:39 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 16:55 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

مقتل 5 عراقيين و32 جريحًا إثر تفجير انتحاري في تكريت

GMT 02:45 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

بريجيت ماكرون تنضم إلى مجموعة أزياء بيت ديور

GMT 15:57 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب سواحل تشيلي

GMT 01:54 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

تقليد "غريب" في إسبانيا يقتل طفلًا ليلة رأس السنة

GMT 10:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ضبط 3 ملايين يورو مزورة في سطيف داخل الجزائر

GMT 20:39 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف أن القلق يعزز صحة المراهقين

GMT 01:46 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عقل فقيه يُطلق مجموعته الجديدة لعام 2018 في بيروت

GMT 02:16 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

ماريا كاري تتألق بثوب أبيض مرصَع بالجواهر

GMT 22:15 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

السبكي يكشف موعد عرض "القرموطي في أرض النار"

GMT 09:52 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

غارات جوية إسرائيلية تستهدف مواقع لـ"حماس" في غزة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
Pearl Bldg.4th floor
4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh
Beirut- Lebanon
iraq, iraq, iraq